صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

قُمنا؟

11

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

قُمنا؟


)1(
جيلنا والأجيال التي سبقته والجيل الذي يليه يُمكن أن يطلق عليها أجيال تربية شُيوعية ليس في السُّودان، بل على مُستوى العالم، فالحركة الشيوعية العالمية رغم أنّها فشلت في مسعاها في حكم العالم، إلا أنّها نَجَحت في شَيطنة الرأسمالية العالمية وهي بالفعل كذلك لأنّها قَامت على أشلاء البشرية وتُمثل ذلك في تجارة الرقيق وفي الذين مَاتوا في المَناجم والأنقاض وفي الاستنزاف الاستعماري ثُمّ علاقات التبعية، ونحن في السودان شهدنا حزباً شيوعياً قوياً استطاع أن يبذر بذرة الفكر الاشتراكي في كل الأحزاب، فسمعنا بالاشتراكية الإسلامية )جبهة الميثاق( واشتراكية المؤمنين )حزب الأمة( والاشتراكية العربية )اليسار العربي( والاشتراكية الأفريقية )الأحزاب الجنوبية( والاشتراكية السودانية )الاتحاديين(، بالإضافة للاشتراكية العلمية التي تبنّاها الحزب الشيوعي، لذلك كانت نفسياتنا ومازالت تنفر من الرأسمالية وأنانيتها وحبها لنفسها وعدم تضحيتها ومازلنا )نموت في القطاع العام(.
)2(
بعد نهاية الحرب الباردة وفناء الاتحاد السوفيتي )العظيم( وتراجع الفكر والتنظيم الشيوعي، فأظهرت الرأسمالية العالمية وجهاً إنسانياً كانت تخلو منه، فظهر ما يُسمى بالمسؤولية الاجتماعية، وظهرت الرأسمالية التي تُحارب الفقر والتي تعمل من أجل النجاح وليس من أجل الربح، والقى في روعنا أن تاريخ البشرية قد انتهى بالسيطرة الكاملة للطبقة الرأسمالية وبوجهها الجديد )فرانسيس فوكويوما(، فصدق يا مؤمن وقلنا إنّ السودان ليس فرداً بين الأمم فليذهب طائعاً مُختاراً إلى حضن الرأسمالية.
ومهما كان رأينا في رأسماليتنا وبشتنتها وهوانها فلتستلم الرسن طالما أنّ ذلك أصبح مَطلباً عَالمياً، وطالما أنّ القروض والتمويل لن يأتي للقطاع العَام، وقيل لنا إنّ 85% من النشاط الاقتصادي سيقع على عاتق القطاع الخاص.. أها ويعجبوك جماعة التمكين الذين تحالفوا مع الرأسمالية القديمة وَغَنُّوا مع وردي بعد تبديل الاشتراكية إلى رأسمالية قائلين )رأسمالية سودانية من واقعنا ما من أكتر ** شعبك يا بلادي أقوى وأكبر مما كان العدو يتصوّر( رحم الله الطاهر إبراهيم.
)3(
حكومة مُعتز مُوسى أرخت أذنها للقطاع الخاص المُنتج ناس وجدي ميرغني محجوب ومعاوية البرير وأسامة داؤود وآخرين، فقالوا لها إنهم على استعداد أن يرفدوا الخزينة العامة هذا العام بمبلغ أربعة مليارات دولار كحصائل للصادر، فقلنا خير وبركة.. أهو رأسماليتنا بقت منتجة وتركت التطفل.. ولكن للأسف ظهر لنا وجهٌ قديمٌ من وجوهها في ذات الأيام هذه.. فها هو أحد مُصدِّري الماشية يحتج عندما قرّرت لجنة صناع السوق المُناط بها تسعير العُملة تخفيض سعر الدولار جنيهاً واحداً قائلاً: يجب أن يظل السعر ثابتاً مدة ثلاثة أشهر من أجل المُصدِّرين.
نسأل نحن ماذا يضير المُصدِّرين لو انخفض سعر الدولار؟ أمن أجل عيون المُصدِّرين يجب أن يظل الدولار في العلالي ولا ينخفض إلا أربعة جنيهات في العام؟ والأسوأ من هذا ما قال به اتحاد غرف النقل تحديداً الغرفة القومية للشاحنات.
فمجلس الوزراء قرّر إعادة النظر في قرار وزارة النقل الذي يمنع المقطورات، ذلك القرار الكارثة الذي رفع سعر نقل الطن من مائتي جنيه إلى سبعمائة جنيه، فإذا باتحاد النقل يرفض هذا التّوجُّه ويُطالب بالإبقاء على الحال ما هو عليه للحفاظ على هذا المكسب الضيِّق لا سيما وأنّ الإنتاج غير عادي هذا العام.
فنياً واقتصادياً، ثبت أنّ قرار إيقاف )الدبل بت( طلّع رُوح الحركة الاقتصادية في البلاد والمُستفيد منه أصحاب الشاحنات فقط وهم يصرون عليه الآن باعتباره مَكسباً لهم ولو كان على حساب المُواطن.. يبدو أنّ رأسماليتنا مازالت في ضلالها وتَخلُّفها القديم، أو على الأقل لدينا نوعان من الرأسمالية، واحدة مُنتجة ومُتطوِّرة، وأُخرى طفيلية غير مُنتجة تريد أن تسخر البلاد والعباد لخدمتها وخليكم معانا إن شاء الله.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد