* اتهمني البعض بالانصرافية والتركيز على الظواهر السلبية للحكومة وعدم تناول المظاهر الايجابية، وذلك على خلفية حديثي عن سلوك الوزير ( خالد عمر) بتعاطي السعوط في ندوة عامة، وانتقادي الحاد له على التصرف القبيح الذي يتعارض مع أبسط قواعد السلوك الصحيح وعدم احترامه للحاضرين والمشاهدين، وتحريض الشباب والصغار على ممارسة عادة قبيحة وضارة يعاني بسببها عشرات الالاف من أعراض وأمراض كثيرة وبعضها خطير وقاتل، بالإضافة الى تسببه في صرف الأنظار عن محتويات الندوة وما حملته من موضوعات مهمة لانشغال الجميع بـ (سفته) والتعليق عليها ونشر الفيديوهات والصور والمواد الساخرة، بدلاً عن التركيز على محتويات الندوة ومن يُسأل عن ذلك هو (خالد) بسلوكه القبيح، وليس الذين اتهموا بالإنصرافية لانتقاد هذا السلوك الذي لو حدث في أي دولة محترمة لأرغم الوزير على الاعتذار عن السلوك القبيح وتقديم النصح للشباب والمواطنين بالابتعاد عنه، أو الاستقالة من منصبه، ولكننا في السودان الذي لا يعاقب فيه المسؤول على الخطأ، بل يُوجد من يتصدى بكل حماس للدفاع عنه وتوجيه الاتهامات لمنتقديه، وهو ما يجعلنا غرقى منذ استقلالنا وحتى اليوم في تخلفنا وجهلنا وكل النقائص والمشاكل التي نعاني منها!
* أطالب (خالد) بأن يكون على قدر المسؤولية التي يحملها والمنصب الرفيع الذي يتقلده، ويخرج على الناس معتذراً عن تصرفه بكل شجاعة وشفافية، موجهاً الانتقاد لنفسه وحاثاً الشباب على النأي بأنفسهم عن ممارسة العادات الضارة ومنها تعاطي التمباك الذي يبدأ في مرحلة مبكرة جداً من العمر وتستمر الى آخر العمر بسبب انتشارها الواسع في المجتمع ونظرة السودانيين إليها كتصرف طبيعي رغم خطورتها البالغة!
* ويجب على (خالد) بوصفه الوزير الاول في الحكومة، أن يوجه أجهزة الدولة وعلى رأسها التلفزيون السوداني لتناول موضوع التمباك والتدخين والعادات الضارة، والتوعية بخاطرها وعرض نماذج حية لها والحث على تركها من خلال برامج ومواد جاذبة ومؤثرة وذكية، بدلاً عن برامج الثرثرة الفارغة والغناء والرقص المستمر التي تشغل بها الاجهزة الاعلامية نفسها وتلهي بها المواطنين عن القضايا المهمة، عامدة الى سد القصور الفكري والإبداعي الذي تعاني منه!
* أما الذين يتحدثون عن عدم تناولنا لإيجابيات الحكومة، والثناء عليها، فلا أجد أفضل من حديث الكاتب السوري الأصل النمساوي الجنسية (نائل بلعاوي ) عن هذا الموضوع، الذي يقول فيه:
* لم أسمع حتى اللحظة من يقول: “شكراً للحكومة على هذا الأداء البارع”، لا في النمسا ولا في جارتها الكبيرة، ألمانيا، على اعتبار أن الجارتين حققتا انجازاً لافتاً خلال الفترة الماضية في الحرب المفتوحة ضد الوباء.
* لا أحد يقول شكراً لـ(ميركل) مستشارة ألمانيا أو (سيباستيان كورتز) رئيس الحكومة النمساوية، ولا أحد يمدح “القيادة الحكيمة” للمرحلة الحرجة، وأقصى ما يمكن أن يقوله النمساوي أو الألماني تعليقاً على النتائج الجميلة التي تحققت في البلدين: “لقد قامت الحكومة بما عليها أن تقوم به”، أو : “يبدو أن الإجراءات التي اتخذوها كانت صحيحة”.
* قلت لصديق نمساوي هاتفياً: “أعجبتني الحرفية العالية لحكومة كورتز خلال الأزمة”، فأجاب: “هذا دورها المنتظر وإن لم تحققه فعليها أن ترحل”، فقاطعته: “ولكنها حققته، ألا تستحق الشكر على ذلك؟”، أجاب : “لا، ولماذا نشكرها.. كورتز وأعضاء حكومته يتقاضون أجوراً شهرية عالية للقيام بمثل هذه الأدوار، وفي مثل هذه الأزمات تحديداً.. لقد وُجدوا في مناصبهم لأجل هذا بالضبط، هم يعملون على خدمتنا يا صديقي، هذا شغلهم”.
* قلت: “أعرف، ولكن شكراً صغيرة لا تعني الشيء الكثير”، قال: ” شكراً تعني أن الحكومة قد قدمت هدية لنا من عندها، وهذا غير صحيح، لو شكرناها اليوم فعلينا أن ننحني أمامها غداً ونردد مثل القطيع: شكراً لكم على كل شيء تقومون به أو لا تقومون به”.
* عند نهاية المكالمة أخبرته بأنني سأكتب نصاً عن الكيفية التي تتم بواسطتها صناعة ثقافة العبودية وتحويل (القادة) إلى آلهة، وأن (شكراً) الصغيرة هذه هي فاتحة جيدة لقراءة كتاب الاستبداد الكبير والكريه”(انتهى).
* من المضحك ان البعض لا يريدنا ان نقول (شكراً) للحكومة على القيام بالواجب الذي تأخذ عليه الأجر فقط، بل يريدنا أيضاً أن نتغاضى عن أخطائها، ونسهم بكل غباء في صناعة حالة العبودية والفشل التي نعيشها منذ مولد شعبنا وحتى اليوم!
* بدون أن نواجه أنفسنا ونوجه إليها النقد على كافة المستويات، الفرد والحكومة والشعب، فلا أمل يرجى في الاصلاح .. وسنستمر (عبيداً) مدى الدهر!