ما ظنّنا في يومٍ من الأيام بأنّ الخلافات قد تقودنا بهذه السُرعة إلى الانزلاق في مُستنقعاتِ سوء الأخلاق القذِرة، وقد كُنا نظُن من قبل أنّ أخلاقنا هي من أهم مُمسكات مُجتمعنا المتينة وستظل كذلك مهما تغيّرت الأنظمة واختلفت سياساتها، ومن البديهي أن يتصارع الناس لتحقيق ما يصبون إليه من طُموحاتٍ سياسية أو غيرها، ويستخدمون كُل الأدوات المشروعة ويسلكون كُل السُبل المؤدية للهدف، ولكن ما يحدُث الأن من انفلات أمني وأخلاقي يدُل على أنّ الأمور ليست كما كُنا نظُن.
الخبر أدناه يؤكد ما وصلنا إليه من سوءٍ في أخلاقنا ومُعاملاتنا، ويُبشِرنا بغدٍ يدُس في أحشاءه الكثير من المُفاجأت البائسة.
(نجا قطار للركاب متوجه من الخرطوم إلى عطبرة شمالي البلاد من كارثة محققة جراء تخريب خط السكة الحديد بسرقة وتفكيك معدات تثبيت الخطوط، وأكد وزير النقل ميرغني موسى، في بيان ليل الثلاثاء، تعرض خطوط السكة الحديد لتخريب عند الكيلو 73 قبل محطة الرويان شمالي الخرطوم).
بالله عليك عزيزي القاري ماذا يُريد هؤلاء الحمقى ولمن يتبعون..؟
وهل تبقى لنا شيئاً غير (خط) السكة حديد حتى نسعى بغباءٍ لتدميره..؟
لقد دمّرت السياسات الخاطئة غالب مشاريعنا الزراعية والصناعية والخدمية، والحُلُم يُراودنا بعد نجاح ثورتنا العظيمة في أن ننهض ونبني سوياً ما دمرته الأيدي الآثمة، ونجتهد في تطبيب جراحاتنا وغسل مرارات الماضي لنبدأ من جديد في بناء سودانٍ بلا شك يسع أهله وغيرهم إن حسُنت النوايا، ولكن يبدو أنّ أشباه طائر البوم وعُشاق الخراب ما زالوا يحلمون بيوم تشرِق فيه الشمس، وقد أصبح السودان فيه نسيّاً منسيا.
لم يعترِّض الناس على وضع المتاريس هُنا وهُناك بالرغم من الضيق الذي أصابهم بسببها، وقد اعتبروها آداة من أدوات الثوار للضغط بها على السُلطات وليّ ذراعها لتنفيذ ما خرجوا لأجله، ولم يعترِض المواطن كذلك على الوقفاتِ الاحتجاجية في الطُرقات وداخل المؤسسات، ولكن ما حدث للقطار لا علاقة له بالثورة ولا علاقة له بمواطِن يحمل في يده قائمة مطالِب يسعى لتحقيقها بتخريب خط السكة حديد، إنّما هو فعل اجرامي قذِر من أشخاصٍ حمقى لا علاقة لهم بالوطن ولا بالمواطن، من فعلوا هذا الجُرم نزع المولى الرحمة من قلوبهم، وصاروا كالوحوش الضارية تفعل ما يحلو لها وبعض الوحوش للأسف لا تنهش لحوم بعضها ولا تستطيب مذاقها.
ثُم ما هي النتيجة التي انتظرتموها من فعلتِكم هذه ..؟
هل كُنتم تنتظرون خروج القطار عن مساره لسرقة محتويات حقائب الركُاب، أم كُنتم تنتظرون تدمير القطار بهذه الطريقة البشعة ومصرع جميع من كانوا فيه للضغط على الدولة..؟
البحث عن الجُناة مسؤولية الأمن ومعاقبتهم بالعقوبة الرادعو التي يستحقونها مسؤولية القضاء وإلّا فالباب مُشرع لعُشاق الخراب أصحاب القلوب الميتة للتفكير في ما هو أسوأ من تدمير القطار وقتل من هُم فيه.