في كلمته أمام ورشة الآلية رفيعة المستوى لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة التي انعقدت الأربعاء الماضي، شدد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على أن حكومته ملتزمة بمتابعة ومراجعة التدفقات المالية غير المشروعة وإرجاع كل الأموال المنهوبة والمهربة خارجيا وتوجيهها لتنمية واستقرار البلاد، وبحديثه هذا يعيد حمدوك قضية الأموال المنهوبة والمهربة للخارج للتداول مجددا بعد أن طواها النسيان، ولا ندري دوافع دولة رئيس الوزراء من وراء تأكيده على التزام الحكومة باعادة الأموال المنهوبة والمهربة للخارج، اذ أننا لم نشهد حتى تاريخ اللحظة أي تحرك جاد بذلته الحكومة في هذا الخصوص، خاصة وأن عملية استعادة هذه الأموال هي عملية معقدة وتستنزف زمنا طويلا وتحتاج الى مساعدة من خبراء مختصين ومساندة من المنظمات المعنية والدول المودعة فيها تلك الأموال، وقبل ذلك بالطبع فانها تحتاج لبذل جهد كبير بالداخل لمعرفة حجم هذه الأموال المنهوبة وكم مقدارها، وأين توجد وفي أي حسابات مصرفية، ثم بعد أن تتوفر هذه المعلومات المهمة والضرورية، يلزم أولا فتح بلاغات بالداخل بخصوص هذه الأموال، ومن بعد ذلك يتم ملاحقتها عبر قضاء الدول المودعة في مصارفها تلك الأموال، حيث أن المصارف العالمية لا تعلن عن الحسابات السرية لعملائها إلا في حالة صدور توجيه من المحكمة..
كل قرائن الأحوال تشير الى أن هنالك أموالا بحجم كبير تم تهريبها للخارج وايداعها في مصارف خارجية في حسابات شخصية، ويشتبه أن تكون تلك الأموال مودعة في مصارف سويسرا وانجلترا وألمانيا وماليزيا وتركيا ودبي وسنغافورة وغيرها، فقد وفرت عملية استخراج النفط وتصديره أموالا طائلة بالعملات الاجنبية، ولا تساوي (الفتافيت) التنموية التي تم انجازها خلال تلك الفترة مع حجم الأموال التي توفرت، فماذا تساوي بضعة طرق اسفلت مهلهلة تحتاج الى صيانة وردم وترميم كل حين، وماذا تساوي بعض الجسور التي تنخرها الجقور، وعلى ذلك قس قياسا بأموال النفط، علاوة على التكتم الشديد الذي أحاط به النظام البائد حركة أموال البترول، التي لم تكن تعلم حقيقتها سوى حلقة صغيرة وضيقة من متنفذي النظام المخلوع، وشهدت على ذلك مؤسسة جلوبال ويتنس Global Witness التي كانت تشكك باستمرار في الأرقام المعلنة، كما اشتكى البنك الدولي من انعدام الشفافية في قطاع النفط في السودان، ووصفها بأنها ضعيفة بصورة غير عادية بالمقارنة مع غيرە من البلدان النامية المصدرة للنفط، كما كشفت تقارير منظمة النزاهة المالية الدولية، عن اخفاء النظام المخلوع لحوالي 31 مليار دولار من الصادرات السودانية، في الفترة ما بين عامي 2012 و2018، هذا غير ما اعلنته عن كشفها لحدوث تلاعب كبير في أرقام الصادرات، عند المقارنة بين أرقام الصادرات المعلنة من قبل الحكومة، والبالغة 65 مليار دولار خلال الفترة المذكورة، بينما كشفت البيانات التي تحصلت عليها من 70 دولة من الشركاء التجاريين للسودان، أن واردات الحكومة خلال الفترة المذكورة بلغت نحو 96 مليار دولار، وظهرت هذه الفجوة بشكل أوضح في صادرات النفط والذهب، إذ تشير بيانات الحكومة المخلوعة إلى أنها صدرت 62 مليون برميل خلال الفترة المذكورة، بقيمة 4.8 مليار دولار، في حين تشير سجلات البلدان المستوردة للنفط السوداني أنها استوردت 2. 112 مليون برميل بقيمة 8.9 مليار دولار، وفي ذلك دلالة مؤكدة لانتشار عمليات الفساد، وإهدار الكثير من الموارد..