على خلفية بعض التصريحات لعدد من القيادات السياسية، والأصوات الأخرى المطالبة باصلاح المؤسسة العسكرية ودمج جميع الجيوش في جيش واحد وموقف الجيش من قضايا الحدود، واعتقاد البعض ان ثمة رؤية أشبه بعملية (الخيار والفقوس ) في طريقة التعامل مع هذه القضايا ، وحرص القوات المسلحة على استرداد الفشقة وغضها الطرف عن حلايب وشلاتين والتي ترى القوات المسلحة ان لكل قضية ظروفها السياسية وتوقيتها المناسب للتعاطي معها وفق دراسة معينة، هذا التبرير الذي قد يجد القبول عند الأغلبية لكون أن الأرض واحدة وان المبادئ لاتتجزأ.
ولكن يبدو ان القوات المسلحة أصبحت تقلقها مثل هذه المطالبات و بالأمس أصدر الجيش السوداني بياناً شديد اللهجة انتقد فيه المطالبين بإصلاح المؤسسة العسكرية، على صفحته الرسمية بموقع التواصل فيس بوك، وشن الجيش هجوماً على المطالبات الداعية إلى إصلاحات جوهرية في المؤسسة العسكرية، معتبراً إياها إضعافاً لأكبر مؤسسة وطنية لكن سرعان ماقام بسحبه.
وأضاف البيان (المسحوب) أن هذه المطالبات تحاول إظهار الجيش وكأن أركانه قد تهاوت، وتصدعت أسسه، وأنه غير قادر على التصدي للتحديات.
ونفى البيان وجود أية تعقيدات تحول دون إتمام عملية السلام، ودمج الحركات بالمؤسسة العسكرية
ويبدو أن بيان الجيش بأنه جاء رداً على تصريحات لقيادات سيادية انتقدت مواقف القوات المسلحة في مايتعلق بقضية استرداد الاراضي السودانية الفشقة وحلايب وقال البيان إن التشكيك في مقدرة القوات المسلحة على حراسة حدود البلاد إساءة تستجوب المحاسبة الرادعة والفورية، وأضاف أن حراسة الحدود والدفاع عن الوطن والمواطن هي من واجبات القوات المسلحة الرئيسية.
وبعيداً عن تبادل الاتهامات وقريباً منها فإن إصدار بيان رسمي من القوات المسلحة على صفحته الرسمية وسحبه يعد ارتباكاً كبيراً، يؤكد ان تردد اصحاب القرار في اصدار البيانات وسحبها أشبه بمواقفهم تجاه القضايا الحدودية التي تتسم بالضبابية وما الذي يزعج القوات المسلحة اذا طالبها البعض بدمج الجيوش المتعددة ، والتي تعتبر واحدة من البنود التي اتفق عليها أطراف سلام جوبا، ام إن الدمج يفسره الجيش فقط بأنه طلب فوري لدمج قوات الدعم السريع هذا المطلب الذي لايريد تنفيذه البرهان ولا يرغب فيه قائد قوات الدعم السريع وان أسوأ مايقع على مسامعهما هو عبارة (دمج قوات الدعم السريع ).
اما بالنسبة لقضية الحدود فإن الشعب السوداني مازال يطالب باسترداد حلايب وشلاتين مثلما انه يطالب بالفشقة وان كل ذرة من تراب الوطن تبقى هي عزيزة عصية على التنازل والمساومات
وهذا لعمري لا يقدح في تاريخ القوات المسلحة ولا يعد تعدياً على هيبتها ومكانتها وتاريخها، بقدر ما انه حرص على الحقوق وتحريض على دفع الهمم نحو القضايا الوطنية التي تنطلق من المبادئ والقيم والمتعلقة بمسألة الكرامة والسيادة الوطنية.
ولو حرص الجيش على موقفه من الرد لكان أفضل بكثير من انسحابه لأن البيان عبر عن رؤيته الواضحة في طريقة التعامل مع القضايا، ووضح وجهة نظر الجيش لكن سحب البيان ، خصم الكثير من موقف الجيش وعزز موقف الاطراف الأخرى التي قد تفسر ان الجيش لا يتردد في حسم القضايا المتعلقة بالحدود والدمج فقط ولكنه أكثر تردداً حتى في خطاباته التي تنفي هذه الاتهامات ، كما ان المواقع الرسمية للحكومة والجهات الرسمية يجب ان تراجع بياناتها أكثر مرة وان لا تتعامل مع المتلقي كما يتعامل بعض الناشطين على السوشيال ميديا وان ( حكاية) اصدار البيانات وسحبها هذه لا تليق بالمؤسسة العسكرية التي يخشى عليها الجيش من المساس بهيبتها ووقارها، كما انه لابد من ضبط الخطاب السياسي للقيادات السياسية في طريقته واسلوبه.
لكن السؤال ان كانت قيادات المكون العسكري لا تقبل الحديث عن أدوارها وماتقوم به وتعتبر ذلك تدخلاً واضحاً في عملها ومهامها ، هل هذه القيادات بذات القدر على الاستعداد ان تبتعد كلياً من التصريحات السياسية المتعلقة بانتقاد الجوانب التنفيذية واداء الحكومة ، وكل مايتعلق بالقضايا الاقتصادية وغيرها ؟!!