ﺗﻌﻄﻠﺖ ﺑﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﺔ أو بالأصح (الهكرة) كما يطلق عليها بعض المعارف والأصحاب لكثرة أعطالها، ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ ﻟﻴﻞ ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﻟﻢ ﻧﺪﺭ ﻣﺎﺫﺍ ﻧﻔﻌﻞ ﻭﺑﻤﻦ ﻧﺴﺘﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ المتأخر، وعندما ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ﺭﻓﻴﻘﻲ ﺑﺴﺆﺍﻟﻪ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮ (ﻧﻌﻤﻞ ﺷﻨﻮ)، ﻟﻢ ﺃﻣﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﺃﻥ ﺃﺭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ (ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻤﻞ ﺭﺑﻨﺎ) فتوكلنا على الله وتركناها في مكانها مطمئنين، ليس لأن الأمن موفور ومستتب، وانما لزعمنا أنها لن تكون لبؤسها هدفا حتى لأبأس لصوص العربات، ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ احتسبنا ﺣﻴﺮﺗﻨﺎ ﺃﻧﺎ ﻭﺭﻓﻴﻘﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻧﺎ (ﻣﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﺳﺎﻛﺖ) ﻻ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟحيرتنا ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﺤﻴﺮﺓ الحاضنة السياسية وﻣﻦ ﻳﺘﺴﻨﻤﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ الحكم ﻓﺘﻠﻚ ﺣﻴﺮﺓ ﻟﻬﺎ ﻣﺘﺮﺗﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ..
في أجواء هذه الحيرة التي تلف الجميع قفز الى الذهن كتاب شهير يحمل عنوان (السؤال الحائر)، لمؤلفه الدكتور مصطفى محمود، الذي يعد واحداً من كبار المفكرين والأدباء المصريين، لجهة اثرائه ساحة الفكر والعلم، وطرقه لأبواب لم تفتح من قبل، فتنوع انتاجه بين القصة والرواية والمسرحية وأدب الرحلات، الى جانب مؤلفاته التي اختصت بالنظرات المعاصرة للفكر الديني والمقارنة بالنظريات العلمية الحديثة، وما تزال مؤلفاته هذه مثار جدل، وتميز الكتاب بالأسلوب الأدبي البليغ للمؤلف والثراء والتنوع الذي احتواه، فتجد فيه حديثا عن الأصوليين من الإسلاميين، وإشكالية تقسيم المسلمين إلى فئات، وتجد مناقشة لكثير من الأفكار والقضايا الشيوعية، ويتطرق للحديث عن بوذا، وعن علم النفس من وجهة نظر فرويد، ومن وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وغير ذلك من الموضوعات، ومن بين ما جاء في الكتاب استوقفتني وشدتني فقرتين، يقول في الأولى ما مؤداه اذا كان الواقع يعلمنا شيئا، فهو أن نكف عن هذا الهراء الايدولوجي، ونضع أيدينا على المفتاح الوحيد للتقدم، ألا وهو التكنولوجيا والعلم والمنهج التجريبي، وندرك تماما أن هذه الاشياء لا وطن لها ولا مذهب، فلا توجد تكنولوجيا يسارية وتكنولوجيا يمينية، ولا علم روسي ولا علم أمريكي، فالماء يغلي في درجة حرارة مائة في كل البلاد وقوانين الجاذبية صالحة في كل وطن.. ويذهب في الفقرة الأخرى لتشريح الواقع العربي المؤسف فيقول، لو أن العرب طافوا في سياستهم حول نقطة واحدة كما يطوفون حول الكعبة ، ولو أنهم اجتمعوا أبيضهم وأحمرهم وأسودهم في رحاب رأي واحد كما يجتمعون في الكعبة لما ذلوا ولما هانوا، ولما أصبحوا عالما ثالثا أو عالما رابعا كما حالهم الآن..وما أشبه حال العرب الذي شرحه مصطفى محمود بحالنا اليوم، فلو أننا اجتمعنا أبيضنا وأسمرنا وأخضرنا وأسودنا، كما يجتمع المسلمون منا في الكعبة، ويجتمع المسيحيون في الكنيسة، لما بلغنا هذا الوضع المتردي والمتهالك في كل شئ، والرأي عندي كما عند حمدوك وﻋﻨﺪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ، هو ﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﺎﻧﻴﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻤﻈﻬﺮﺍﺕ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻸﺯﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎﺑﺪﻫﺎ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ، ﻭﻟﻦ ﺗﺰﻭﻝ ﺃﻱ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﺮﺿﻴﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻮﻓﺎﻕ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ..فقوموا الى توافقكم واتفاقكم يرحمكم الله..