ليس من العدل، بل من رابعة المستحيلات، أن (تحظر) جميع الناس، من الشكوى والتذمر ، فان مايدعوهم لذلك، هو الحال الاقتصادي المائل، والحالة المعيشية القاسية، التي يرفل فيها وينعم بها عامة الشعب، فالحكومة لو استعانت بيعوق ويغوث وسواعا ونسرا وودا، فلن ينصلح حالها، فالحكومة عقدت النية، بعدم إشراك أصحاب المصلحة، عامة المواطنين، في تلك القرارات الصعبة والقاسية، فماذا كان سيضير رئيس الوزراء، او أي وزير في الحكومة ، لو خرج مرة في الأسبوع، وقدم للشعب ايجازاً عن ماينتوي عمله، وما سيتحقق من وعود وانجازات، بالارقام والمستندات، وماهو متوقع حدوثه في مقبل الايام، وماحدث من أخطاء، يعملون على تصويبها، فان فعل ذلك، لوجد التقدير والاحترام، ولكن يبدو لي أن الحكومة، عموماً، لا تضع المواطنين في سلم أولوياتها.
(1)
فإذا كانت هناك رأسمالية متعجرفة متغطرسة، لا يهمها إلا حصد المزيد من الأموال، فانه لا بد أن يكون هناك فقراء ساخطون، متذمرون، غاضبون، من الحكومة، التي كان يؤمنون انها ماجاءت، الا لتصحيح تلك الصور الشائهة، وتزيح طبقة الرأسمالية الطفيلية التي نشأت وترعرعت في أحضان النظام البائد، ولكن خاب الامل، وتعس الرجاء.
(2)
فتابى الحكومة إلا السير على ذات نهج حكومات حزب المؤتمر الوطني الهالك، فتزيد الطين بلات عديدة، وتزيد من أوضاع المواطنين مرارة وصعوبة، ثم تزيد الأوضاع تعقيداً، بتشكيل قوات مشتركة.
(3)
فان تشكيل قوة مشتركة من الأجهزة الأمنية، المتواجدة حالياً، لتجوب العاصمة الخرطوم، وتكوين قوات مماثلة لها بالولايات، بحجة وزريعة ضبط الشارع العام، وفرض هيبة الدولة، انما هو محاولة عاجزة للسيطرة على التذمر الشعبي.
(4)
والسؤال هنا من فرط في هيبة الدولة؟ فانتم قادة القوات المشتركة، أو (قوات ردع الشعب) من فرطتم في هيبة الدولة، ومنذ بدايات الثورة، وبدايات الحكم المدني، لاشياء في نفوسكم، وذلك حين تركتم لفلول النظام البائد، وأعوانه من مدنيين وعسكر، الحبل على الغارب، فجاسوا خلال الديار فساداً، وقويت شوكتهم لضعفكم، فاصبحوا ينتقدون الحكومة، ويطالبون باسقاطها، فأين هنا هيبة الدولة؟ ومعلوم أن هذا الحزب، محظور من العمل السياسي، وأين هيبة الدولة، وانتم ترون فئة معينة من الرأسمالية الطفيلية، وهي تحارب الحكومة، وتضارب في اقتصاد البلاد، بالمتاجرة بالعملات الأجنبية، وبالدواء وبالاحتكار؟.
(5)
ومن العبث أن تعمل على تقليم وتشذيب فروع الشجرة الملعونة في السودان، أي شجرة حزب المؤتمر الوطني البائد، وتترك جذورها تواصل النمو، دون قطع او بتر، ؟ ومن العبث الاستهانة والاستهتار وتجاهل غضب الشعب وتذمره، وتظنون ، وانه بانشاء وتكوين قوات مشتركة، يمكنكم القضاء على الغاضبين والمتذمرين، فقد كان غيركم أشطر وأذكى، فهؤلاء الغاضبون المتذمرون أسقطوا من هم أكثر منكم قوة وجمعاً وبطشاً وجبروتا.
(6)
أن الحكومة التي تستهين وتستخف بحركات التذمر والغضب والتململ، الشعبي، لهي حكومة غير بصيرة بالعواقب المترتبة من تلك الاستهانة ومن ذاك الاستخفاف، وتظن أن الوقت والقوات المشتركة، كفيلان بالقضاء على تلك الاحتياجات.
(7)
إن تشكيلكم لقوات مشتركة، كأنكم تحكم على الناس، بحكمين لا ثالث لهما، اما الموت جوعاً، او الموت صمتاً، وكلاهما هبت من أجله ثورة ديسمبر المباركة.