صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عيب يا دكاترة !

23

———-

مناظير – زهير السراج

عيب يا دكاترة !

* أليس غريباً أن تكون أكثر الأماكن قذارة وقبحاً وتواضعاً في بلادنا هي عيادات الأطباء، والمطاعم ومحلات بيع الطعام؟!

* كتبت عن هذا الموضوع أكثر من مرة، ولن أكف، وأذكر أن الدكتور (عبدالمنعم الشفيع) اختصاصي العظام المعروف انزعج من إحداها فاتصل بي طالباً أن أزوره في عيادته بحي الملازمين بأم درمان، وبصراحة كانت في منتهى النظافة والاناقة، ولكنني أتحدث عن الغالبية التي تصيب الانسان بالقرف والمرض والموت!

* حاولت كثيراً أن أفهم هذه المفارقة وسألت أطباء كثيرين لأعرف السبب ولكنني فشلت، قد يكون مفهوماً أن تكون المطاعم متسخة بسبب عدم إلمام او اهتمام العاملين بالقواعد الصحية، ولكن ما السبب الذي يجعل العيادات أوسخ الأماكن العامة على الاطلاق وأكثرها تواضعاً في كل شيء؟!

* الكراسي قديمة ومتهالكة وقبيحة المنظر، والوقوف على الرجلين ساعات طويلة أفضل كثيراً من الجلوس دقائق قليلة!

* معظم العيادات لا يوجد بها ماء للشرب، وإذا وُجد فالحافظة متسخة ومقرفة تصيب الانسان بالغثيان، وهنالك (علبة) أو (كوز) أو كوب قديم لاستعمال الجميع، بينما تحتم قواعد الصحة العامة وطبيعة مرتادي العيادات أن تكون الأكواب من النوع الذي يستخدم مرة واحدة فقط .

* المراحيض ترغم الانسان على التبول والتغوط في ملابسه بدلاً عن دخول المرحاض !

* لا يوجد شيء واحد نظيف في العيادة، حتى غرفة الطبيب .. التي غالباً ما تكون متسخة تفوح منها رائحة الاتربة وفضلات الفئران، قديمة الأثاثات باهتة الطلاء لدرجة تجعلك تعجز عن معرفة لون الجدران الحقيقي، والجدران نفسه قديم وآيل للسقوط ، وللعناكب غرام متبادل مع سقوف العيادات، أما المراوح فلا لا تسكت عن الصرير أو الهدير، ونادراً ما تجد مبرد هواء يعمل بكفاءة، إذا وجد !

* الغريب أن نفس هذا الوضع المزري أو أفضل قليلاً كان كذلك في الزمن الجميل عندما كان السودان دولة نظيفة وجميلة يُضرب بها المثل في النظافة والجمال، وصفته مجلة النيوزويك الأمريكية في عام 1953 بـ (نقطة مضيئة في قارة مظلمة)!.

* ما هو السبب الذي يجعل العيادات أوسخ الاماكن، فالطبيب شخص متعلم بل هو في نظر الكثيرين القدوة ومضرب المثل والقائد، ولا يمكن مقارنته بعامل المطعم او البائعة التي تبيع الطعام على قارعة الطريق، ولا حتى بالموظف او المواطن العادي!

* كما أن الالتزام بقواعد الصحة العامة والنظافة الشخصية هو أساس الصحة والوقاية من الامراض، والأطباء أصحاب العيادات والاختصاصيون لهم دخول معقولة، وتدر عليهم العيادات مبالغ طائلة، وقد يكفي دخل يوم واحد ليخلق من العيادة جنة الله في الارض، بها كل المقومات التي تجعلها تليق باسمها ووظيفتها، فما الذي يجعل أغلبية العيادات متواضعة ومتسخة ومقرفة لدرجة الغثيان؟!

* ألا يخجل الطبيب من قذارة عيادته وهو ينصح المريض باتباع قواعد النظافة، وكيف يلتزم المريض بقواعد النظافة وهو يرى الطبيب الذي ينصحه يجلس وسط كوشة من القاذورات والميكروبات اسمها (عيادة) .. والعيادة منها براء!

* لماذا غالبية العيادات متسخة ومتواضعة حتى عيادات أشهر الأطباء وأكثرهم ثراءً .. لماذا ليس ربع العدد او نصف العدد، أو ثلاثة ارباع العدد .. لماذا الغالبية، أين تكمن المشكلة، إذا لم تكن مشكلة فلس او جهل، هل هي (ثقافة) متوارثة بين الأطباء ان تكون عياداتهم وسخانة، أم انهم يرون أنفسهم ومرضاهم غير جديرين بالنظافة والبيئة الصحية الجميلة المريحة؟!

* عيب والله ان يكون الاطباء بمثل هذا الاهمال الشديد للنظافة وقواعد الصحة العامة، وعيب أن يضطر الانسان لتوجيه مثل هذا النقد لنخبة النخب وقادة للمجتمع، وعيب أن تطاردهم السلطات لترغمهم على نظافة العيادات ومطابقتها لقواعد الصحة العامة وتحسين بيئتها، واذا كانت تفعل ذلك مع الاطباء، فماذا تفعل مع الباعة المتجولين وبائعي الأطعمة على الأرصفة والطرقات.. واذا كانت النخبة في بهذا المستوى فكيف سيخرج البلد من أزمته، وكيف نعبر وننتصر؟!

* في أي مكان عمل في العالم المتقدم، فإن أكثر الأشخاص نظافة وأناقة هو عامل النظافة … لأنه لا يمكن أن يكون الشخص المسؤول عن النظافة وأناقة المكان، بينما هو وسخان متسخ وقبيح المنظر لا يفهم قيمة النظافة والعمل الذي يقوم به !

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد