وجدت إحالة 128 ضابطاً برتب مختلفة بجهاز المخابرات إلى التقاعد قبولاً كبيراً في الأوساط السودانية ، التي ترى ان علة التغيير تكمن في ان الأجهزة الأمنية كانت ومازالت ، تعمل بالعقلية القديمة ، في خدمة النظام المخلوع بوجوده وزواله ، وان التغيير في جهاز الأمن والمخابرات لم يحدث الا في اللافتة التي تحمل اسم جهاز الامن الوطني واستبداله بجهاز المخابرات العامة ، وقاصر البصر والبصيرة من يعتقد ان جهاز الامن جُرد من كل مهامه ، فالجهاز خلع فقط ثوبه الملوث بالاعتقالات والتعذيب وغيرها ممايسيء لسمعته ولكنه احتفظ بمهام كبيرة داخلية تلعب دوراً خفياً في عرقلة مسيرة التغيير ، وهناك من يرى أعماله ( السودة ) تجاه الافراد تحولت الى تخطيط كبير تجاه الوطن ، أهم هذه المخططات هو تقاعسه عن دوره الحقيقي المتمثل في حفظ الامن الوطني الداخلي وان التفلتات الأخيرة والاشتباكات في عدد من المدن وقف عليها جهاز الأمن متفرجاً ومنذ قيام الثورة وزوال حكم المخلوع لم نسمع لجهاز الامن بأي إنجاز عظيم تجاه الوطن يبرهن انه مع التغيير بل ان حالة الانزواء نفسها هي أكبر مهدد للأمن لأن رجل الامن او الشرطة عندما يمتنع عن اداء دوره وواجبه يجب ان يغادر منصبه حتى لا يكون البقاء فيه خصماً على الوطن لأن رجل الأمن لا يغير مابنفسه مع تغيير الحكومة.
ورجحت بعض المصادر أن هذه الإحالات تمت في إطار هيكلة جهاز المخابرات التي تقودها الدولة لتطهير الجهاز من عناصر تنظيم الإخوان ، وأن كشف الإحالات شمل رتباً رفيعة بينها فريق، ولواء وعميد، وقد تم إخطارهم بقرار تقاعدهم.
في الوقت ذاته أكد محللون سياسيون وخبراء أمنيون أن الخطوة هي بداية لإجراء هيكلة كاملة في جهاز المخابرات، وأنه رغم التغيير الذي حدث إلا أن ولاء بعض منسوبي الجهاز لم يتغير، وفيما باركوا خطوة إحالة 128 ضابطاً من جهاز المخابرات إلى التقاعد، واعتبروها معالجات متقطعة، لا بد أن تتبعها خطوات تعجل بهيكلة كاملة تعيد صياغة الجهاز لصالح الوطن.
وعلى الرغم من تأكيدات قادة الجهاز بعد التغيير أن الجهاز يعمل وفق مطلوبات الثورة، كشف مصدر عسكري حسب صحيفة الحراك السياسي، أن معظم أفراد هذا الجهاز يتبعون لتنظيم الإخوان المسلمين ويناصبون ثورة ديسمبر العداء، وأنه تم رصد بعضهم مشاركين في معظم المظاهرات التي قامت بالخرطوم والولايات بعد التغيير
الذي يحدث في جهاز الأمن يحدث في أجهزة نظامية أخرى مثل الشرطة وغيرها وحتى مؤسسات الخدمة المدنية ، وهذا هو أس البلاء الذي يخيم على سماء التغيير ويحول بينه وشروق شمسه ويجعل الاتهام بالفشل يلازم الحكومة الانتقالية، فوجود وبقاء هذه الأجهزة والمؤسسات تحت إمرة وقبضة النظام القديم يجعل وجود الحكومة وجوداً شكلياً وظاهرياً، ويغلل يدها الى عنقها طوال فترة حكمها ، لتبدو عاجزة ووهنة .
والغريب في الامر ان الحكومة تحيل ضباط الى التقاعد لأنها تشك في ولائهم بعد مرور عامين من حكمها ، فكيف لها ان تسمح ببقائهم في مناصبهم في هذه المواقع الحساسة مثل جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، كيف لحكومة تخلع حكومة وتحتفظ بقادة جهاز الامن فيها الي مابعد التغيير ، ولأكثر من عامين ، فهل سألت الحكومة نفسها عن ماقام به هؤلاء في هذه الفترة بعد زوال نظامهم وأي خدمة كانوا يقدموها للدولة والوطن، وهل إحالتهم لارتكابهم اخطاء لم تفصح عنها الحكومة ، ام انهم جاءوا فجأة ( على خاطرها ) وتذكرت انها يجب ان تحيلهم الى التقاعد، بقاء الشخصية الأمنية في موقعها ماهو مدى تأثيره على الدولة لاسيما ان المحالين برتب رفيعة ومؤثرة ، وهل جهاز الأمن مازال فيه شخصيات أخرى تحمل ذات المواصفات التي يحملها المحالون للتقاعد، وقبل هذا ان كان بالجهاز ضباط مازالوا يحملون الولاء للمخلوع وللتنظيم هل مهمة الجهاز تختصر فقط على جمع المعلومات في حكومة مابعد الثورة ؟