في إطار اتفاقية التعاون المشترك بين مصر والسودان التي وقعت مؤخراً، نصت الاتفاقية في الملف الاقتصادي على حصول مصر على اللحوم وفول الصويا وعباد الشمس من السودان، مقابل قيمة الربط الكهربائي الذي تمد به مصر السودان، ويذكر ان مشروع الربط الكهربائي المصري قد بدأ عملياً في تغذية الشبكة القومية وتغذية المناطق الواقعة شمال السودان في ابريل2020، وليست هذه هى المرة الاولى التي تلجأ فيها الحكومة لاستخدام أسلوب المقايضة، فقد سبق لها لحل أزمة مديونية مطاحن القمح التي توقفت عن العمل بسببها، الأمر الذي تسبب في شح كبير في الخبز في معظم أرجاء السودان، فكان ان عرضت الحكومة وقتها على اصحاب المطاحن المتوقفة، سداد جزء من مديونيتها ذهبا الا ان اصحاب المطاحن رفضوا المقايضة، ويبدو واضحا من هذا الاتفاق الاخير حول الكهرباء، ان الازمتين المالية والكهربائية التي تعانيها الحكومة وخاصة فيما يلي العملات الاجنبية وبصورة اكثر خصوصية معاناتها مع الدولار (تمساح العملات)، هو ما دفع الحكومة واضطرها مرغمة للعودة القهقرى الى عهد اجدادنا القدماء والتعامل على طريقة التجارة البكماء بتبادل سلعة بسلعة أو سلعة بعدة سلع كما قضى اتفاق الكهرباء، أو قل على طريقة تبديل الاواني بالملابس التي كانت منتشرة فى وقت ما بالسودان، وكانت هذه الطريقة قد انتجت كثير من الطرائف كما افرزت العديد من المشاكل العائلية التي تنشب بين الزوج والزوجة حين يجد الزوج مثلا ان جلبابه الناصع قد تم استبداله بطقم كبابي، وما اقدمت عليه حكومة الفترة الانتقالية لمعالجة ازمة الكهرباء، كان هو ذات ما فعله النظام البائد حين قايض دولة اثيوبيا على ايام نغنغة البترول بمدها بالوقود مقابل الكهرباء وما اشبه الليلة بالبارحة، وكأنما كتب على اهل السودان ان يكابدوا دوامة من الازمات التي لا تنتهي.
الذي لا خلاف عليه ان اسلوب المقايضة ليس هو الاسلوب الامثل للتبادل التجاري واتمام المعاملات الاقتصادية، رغم ان البعض يمكنه ان يحاجج بأن طريقة المقايضة تعتبر طريقة جيدة ومبررة في أوقات الأزمات الاقتصادية والانهيارات كالتي تعاني منها بلادنا حاليا، فحين تتردى وتنهار قيمة العملة الوطنية، وترتفع معدلات التضخم الى ثلاثة ارقام وينكمش الاقتصاد، وتعاني الخزانة العامة الخواء، لا تجد الحكومة مخرجا سوى اللجؤ للمقايضة التي استخدمتها البشرية خلال مرحلة فجر الإنسانية، وهذا وضع مؤسف ان نرتد الى تلك العهود السحيقة ما قبل اكتشاف النقود، ولكن لو كانت هناك حسنة فى اسلوب المقايضة الذي لجأت اليه الحكومة، هو انه يعطي مؤشر بأن الحكومة امتنعت عن دخول سوق العملات الاسود كمشتر لتوفير السلع الاستراتيجية، وكانت تلك الممارسة الحكومية الضارة واحدة من أسباب تصاعد قيمة الدلار.