الحدث الاهم الذى يستدعى التعليق اليوم هو قرار والي الخرطوم بزيادة سعر قطعة الخبز المدعوم من جنيه الى اربعة جنيه !
ولكن دعوني قبل ذلك اُعلِّق على تسجيل مصور متداول في الوسائط لأحد المسؤولين في إحدى الولايات وهو في اجتماع بمكتبه مع ممثلين لأصحاب المخابز بالولاية في حضور عدد من الضباط الاداريين وضباط الشرطة وآخرين، بغرض وضع تسعيرة لرغيف الخبز!
اعتقدت في بداية الأمر أنني اتفرج على مشهد من مسرحية كوميدية مثل التي يؤلفها ويؤديها بعض الهواة ويضعونها على اليوتيوب ويتداولها الناس على الوسائط، ولكنني اكتشفت ان المشهد فعلا اجتماع رسمي في مكتب أحد الولاة لتحديد سعر الرغيفة ..وعينك ما تشوف الا النور!
شوال الدقيق بى كم، والترحيل بي كم، والغاز بى كم، والكهربة بي كم .. و(الحَسَّابة بتحسب) .. لا ورقة لا فاتورة، ولا في زول بيسجل ولا في زول بيكتب .. وغلاط وكوراك .. فيلم هندي !
وده كوم وفطور العمال كوم تاني، وسيد الرصة حالف ما يخت فطور العمال فى التسعيرة لانهم مفروض يفطروا من المرتب البياخدوه، وبتاعين المخابز بيحاولوا يفهموه انو الفطور جزء من المرتب لكن الوالي مُصر علي رايو، بعدين يقوم يتلفت للكومبارس القاعدين بالجنبات يسألهم “يا اخوانا انتو موش بتفطروا من المرتب ولا الحكومة بتفطركم ؟”، ويأتيه الجواب بصوت واحد (أيوة بنفطر من المرتب) .. وحاجة كده في منتهى الفوضى والعشوائية .. عليكم الله في تسعيرة بختوها كده؟!
نأتي الآن لوالي الخرطوم (أيمن خالد) الذى أصدر أول أمس قرارا بتنظيم أوزان وأسعار الخبز المدعوم، “حدد سعر بيع الكيلو من الخبز للمواطن 50 جنيهًا، وقضى بتوفير ميزان رقمي إلكتروني لكلّ مخبزٍ”. يعني تمشى الفرن تشتري الرغيف بالكيلو بدلا عن القطعة، زيو وزي الباسطة أو اللحمة !
أولا، لم يوضح القرار بدء سريان الاجراءات الجديدة، خاصة انه ألزم المخابز بتوفير ميزان رقمي إلكتروني مع تهديد المخالفين بالمحاسبة، .. السؤال متى يدخل القرار حيز التنفيذ .. وإذا كان التنفيذ فوريا، فهل تتوفر كل الكمية المطلوبة من الموازين في السوق حاليا، وإذا لم تكن متوفرة، أو حتى لو كانت متوفرة، فكيف يمكن وضع القرار موضع التنفيذ الفوري وهو في حاجة الى وقت للإعداد له والتكيف معه؟!
ثانيا، لم يحدد القرار أوزان قطعة الخبز، ولو سلمنا ان الاوزان القديمة لا تزال سارية المفعول (100 جم، و70 جم)، فلقد كان من المفروض الاشارة إليها، لضمان عدم حدوث اي تشويش، فنحن بصدر قرار مهم جدا يجب أن يكون كل شئ فيه واضح، وليس رسالة من حبيب الى حبيبته، أو قصيدة شعر، حتى يفترض كاتبها ان ما يقصده مفهوم بالضرورة.
ثالثا، وهو الاهم، كيف ترفع الولاية سعر قطعة الخبز من جنيه الى اربعة جنيه فجأة وبدون مقدمات وبدون تدرج، إذ ان الكيلو جرام يعادل حوالى 14 قطعة خبز وزن 70 جم، أي أن ال 14 قطعة صارت بخمسين جنيها بدلا عن اربعة عشر جنيها، وهو أمر غير مقبول!
صحيح ان الحل الوحيد للخروج من الوضع الاقتصادي المأساوي والحصول على الدعم الخارجي يتوقف على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى يتضمن رفع الدعم عن السلع بما في ذلك القمح الذى يكلف الدولة نحو (4 مليار دولار) سنويا، ولكنه لا يعني بأي حال من الأحوال التحايل على المواطنين برفع سعر الخبز بطريقة غير مباشرة ( البيع بالكيلو)، وكأنهم أغبياء لا يعرفون الحساب، وكان من المفترض أن تشرح سلطات الولاية القرار بكل وضوح مع حيثيات كاملة ومفهومة، لا أن تتعامل مع الشعب، كأنه قطيع عليه أن يسمع ويطيع!
* كما ان برنامج الاصلاح الاقتصادي يتضمن تقديم دعم مالي مباشر للفئات الهشة بجانب رفع الدعم، ولقد سمع الجميع أول أمس وزير الخارجية البريطاني يعلن عن تقديم دولته (خمسين مليون جنيه إسترليني) لبرنامج دعم الاسر والفئات الهشة، ولقد سبقتها دول اخرى، فلماذا لم تتريث الدولة في رفع الدعم، على الأقل عن رغيف الخبز، الى حين استكمال إجراءات تطبيق برنامج المساعدات المالية المباشرة، أم أن هنالك نوايا اخرى لاستغلال اموال المساعدات كما حدث في اموال الكورونا التي لم يكشف عنها النقاب حتى الآن؟!