يأخذك الأسف بعيداً كلما حاولت ان تبتعد من واقعنا المرير لتحلم او تعمل من أجل ان تتحقق مطالب وأهداف الثورة، التي ينادي بها الجميع حين تجد نفسك تصطدم بجدار سميك إسمه الوثيقة الدستورية ، ذلك الجدار الذي يجعلك تستفيق من غفوتك لبعض الوقت لتعود وتتشبث من جديد بأمل مفقود
فتلك الوثيقة الدستورية (المزيفة) هي التي جعلتنا مكتوفي الايدي نتجرع كأس (المقلب) طويل الوجع لاسيما ان بعض موادها كالمادة( 78)من الفصل السادس عشر لباب الأحكام المتنوعة تنص على أن (لايجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة الدستورية إلّا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي) ليبقى تكوين المجلس التشريعي هو غائباً ( بقصد) وأن المطالبة بتكوينه ستكون (كعلكة) مضغت حتى فقدت طعمها لتمر السنوات دون ان يتكون البرلمان وتبقى الوثيقة سارية المفعول لا تقبل التعديل لتلك البنود المقيدة ربما حتى نهاية الفترة الانتقالية.
لهذا يكون مرور أكثر من عام ونصف على توقيع الوثيقة الدستورية هو مساحة وميادين للتشاكس السياسي تبدأ بخطب البيانات وتنتهي بالوقفات الاحتجاجية ليعود الجميع مرة أخرى الى الشارع ( نقطة البداية ) ليتضح الامر اننا كنا ننفخ في وعاء مثقوب.
فالوثيقة ستستمر في خنقها برقابنا دون شعور ونصوصها تمثل علينا حكماً اجبارياً قاسياً يجعل المطالبة باعادة هيكلة القوات النظامية الذي هو من مهام الحكومة المدنية يصبح ضربا من ضروب الخيال فكيف لهيكلة أجهزة نظامية تنص الوثيقة الدستورية على ان تكون تحت إمرة المكون العسكري , فالبلاد ان كان أمنها وشرطتها وجيشها ومالها واقتصادها كله جعلته الوثيقة الدستورية بيد المكون العسكري بالتالي هو الحاكم والآمر والناهي ليس بتغوله ولكن بتصرفه الصحيح في (هدية مغلفة) قدمت له بعد تنازل مخجل من قوى الحرية والتغيير على طبق من ورق.
وجاءت تبكي ندماً على سيطرة وهيمنة العسكر الناتجة عن السقوط ليس في امتحان السياسة ولكن للفشل في كتابة اسمها في المكان المخصص له ، لذلك حتى التعديل الذي طرأ علي الوثيقة مؤخراً لاسيما في المادة 78 الى حين تشكيل المجلس التشريعى الإنتقالي تفسر المادة بأن سلطات المجلس التشريعي التي ستؤول لمجلسي السيادة والوزراء هي سلطة التشريع وليس سلطة تعديل الوثيقة نفسها.
وللعودة الى الوراء قليلاً فقد قابل البعض تصريحات مولانا تاج السر الحبر الشهيرة التي أدلى بعد سويعات من تعيينه نائباً عاماً، عندما اعتذر قائلاً: (ان الوثيقة الدستورية تقف حائلاً وعقبة أمام تحقيق العدالة والقصاص اعتبره البعض ضعفاً من الرجل في وقت يعول فيه الشعب السوداني على النائب في عدة قضايا اهمها القصاص وتحقيق العدالة لشهداء الثورة في مجزرة فض الاعتصام والتحقيق والتحري في انقلاب 89 وتحديد المساءلة الجنائية وتقديم المتهمين للمحاكمة العادلة وعمليات القتل خارج نطاق القضاء فى احداث رمضان واحداث دارفور والتطهير العرقي الحقه الحبر بعدة تصريحات أخرى في مشواره تتحدث عن عدم ملاحقتهم لبعض رموز المخلوع بسبب التقويض الدستوري وهذا وعاء مثقوب.
وتبقى المطالبة بدمج قوات الدعم السريع الى الجيش ومحاسبة هذه القوات على ارتكاب الجرائم وإزاحتها من المشهد هو حديث يتناقض مع وثيقة دستورية جاءت بحميدتي نائباً لرئيس مجلس السيادة وجعلته رجل ثاني او ثالث في الدولة تقتل قواته ببربرية كل شهر ليدفع الرجل ببعض رجاله للمحاكمة ويعود من جديد لساحات التعذيب والقتل والدفع (بكبش فداء) وهكذا لنكتشف الوعاءالمثقوب.
تبعية الأجهزة النظامية ووزارتي الدفاع والداخلية والشرطة الى المكون العسكري والمطالبة بهيكلتها وإزاحتها قادتها واتهامها بالتواطؤ مع فلول النظام وبعدها عن دعم التحول المدني وتحقيق أهداف الثورة وهي تحت تصرف المكون العسكري الأداة الفعلية لنظام المخلوع هو نوع مستحدث أيضاً من ماركة الوعاءالمثقوب الذي يجُبُ كل المطالبات بالإصلاح والتنفيذ وتحقيق العدالة ومطالب الثورة ويجعل (اللف الحلزوني) ممكناً يرفعك الى أعلى القمة ويعود بك الى نقطة البداية، تلتفت يمينك وشمالك لتدرك الحقيقة عندها ستعود بوعيك وتجد نفسك على بداية الشارع ترفع شعار ( تسقط بس ) او تزيد عليها !!
طيف أخير:
كلما تواريت خلف زيفك .. تجدني حقيقة أمامك من جديد !!