ما من مُتابعٍ للشأن السوداني واضطراب حكومته الانتقالية إلّا ويلحظ بوضوح انصراف قادتها عن فتح أي قنوات جديدة للانتاج تدُر على خزينتها شيئاً من الايرادات لتخفيف وطأة الضغط على مواطنٍ زادوا من مُعاناته برفعهم الدعم عن كُل ما كان مدعوما ، جفّفوا الوقود من المحطات بحُجة عدم وجود سيولة تكفي لاستيراده بكميات كبيرة لمقابلة احتياجات الاستهلاك وأوصلوا المواطن إلى درجة من الشُحِ المُمنهج رضخ فيها بلا احتجاج لرفع الدعم الكُلي عنه في سبيل أن يتوفّر ، وقد رفعوه ولم ينساب الوقود كما ينبغي له أن ينساب ، وهكذا فعلوا بالكهرباء التي استمرت قطوعاتها الطويلة حتى في شهور الشتاء بلا مُراعاة لحاجة المواطن الماسة لها توطئة لرفع الدعم عنها ، وقد تصدرّت تعرفتها (الكارثية) الجديدة أخبار أول يوم في العام الجديد.
وصف الدكتور التجاني حسين عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحُرية والتغيير بأنّ الزيادة الكبيرة في أسعارِ الكهرباء التي فاقت أسعارها القديمة بخمسةِ أضعاف بأنّه استهتار بالمواطن من حكومة تجاهلت مُتعمّدة احتجاجاته ولم تستجيب لمُطالباته ، بل طعنته في ظهره بأسعار جديدة للكهرباء قبل أن يستفيق بعد من طعنة زيادة الوقود الخُرافية عبر (وكلاء صندوق النقد الأجنبي) المُسيطرين على الملف الاقتصادي ، وأوضح في حديثه لصحيفة (سودان مورنينغ) أنّ السياسات التي يُصر هؤلاء الوكلاء على تطبيقها قد وصلت بالشعب إلى حافة التجويع وقد تؤدي إلى انفجارٍ شعبي لمواجهة طُوفان سياسات التجويع التي ينتهجها الوكلاء.
صدقت في وصفك الدقيق لهم بالوكلاء وقد أثبتوا بسياساتهم هذه على أنّهم كذلك ، ونختلف معك دكتور تجاني في أنّ الشعب يقف اليوم في حافة الهاوية والصحيح المؤكد يا دكتور أنّ الشعب يُكابد الأن داخل هاوية التجويع العميقة لا في حافتها ، وقد ردمته هذه السياسات العقيمة بأنقاضٍ ثقيلة لن يستطيع أن يُزيحها من مكانها للخروج من هذه الهاوية ، وأنّى له الخروج ومعاناته تتضاعف مع كُل صباحٍ جديد وقد انطبق عليه مثلنا الشعبي (في البير ووقع فيه الفيل) ، لقد أحبطوه وبددوا في داخله الفرح بثورته بعد أن استبشر خيراً بانبلاج فجر الخلاص وإشراق شمس المدنية والحُرية ، ومن يُمارسون عليه هذه السياسات وضاعفوا بها من أزماته يبدو أنّهم يعيشون في وادٍ لا علاقة له ألبتة بما يعيشه الشعب اليوم من مُعاناة فاقت حد الوصف.
يتجاهل هؤلاء عمداً أنّ رأس المواطن البسيط لم يُعد فيه مُتسع للمزيد من الكدمات والضربات وقد احتمل ما فيه الكفاية ، وكُل تبعات هذه الزيادات لن يتحملها غير المواطن البسيط إذ يُضاعف بها المُنتج (غداً) أسعار مُنتجاته ويُضاعف بها كُل صاحب خدمة خدماته ولا عزاء للفقراء وأصحاب الحاجة وغالب أهل بلادي من الفقراء وأصحاب الحاجة.