نحن جيل الرسائل.. ان كانت رسمية او غيرها.. .تربينا على ان الأمر لا يتم الا بكتابته على الورق.. كان كل شئ يبدأ برسالة وينتهي برسالة.. خاصة العلاقات العاطفية.. الرسائل كانت تكتب بعد طول تكتم وعذاب.. ومن ثم الاستعانة بصديق.. وبعد عناء وتفكير.. ربما تمت الاستعانة بخبراء اللغة او كتاب الرسائل الجاهزة.. والرسائل كانت هي ملح العلاقات العاطفية.. خاصة ان كان الحبيب بعيدا او مسافرا.. فالبريد غدوه شهر ورواحه دهر.. وانتظار الرسالة من الحبيبة دبجت فيه قصائد خالدة.. الا أن أجمل ما قيل في الصدد.. ما خطه قلم الراحل سيف الدين الدسوقي:
مافي حتى رسالة واحدة
بيها اتصبر شوية
والوعد بيناتنا انك
كل يوم تكتب الي
مش حرام والغربة حارة
بالخطاب تبخل علي
كانت للرسالة هيبتها وعزتها.. تأتي معطرة.. وفي ورق ملون.. ويوم وصول الخطاب يوم مشهود يحكي عنه ويتم توثيقه..وعادة ما يتم الاحتفاظ برسائل وهدايا المحبوب في مكان أمين.. لا يعرفه الا المقربون.. صناديق وعلب حلاوة.. وحقائب جلدية صغيرة .. فالرسائل أمانة.. فاما الاحتفاظ بها او اتلافها او إعادتها.. لذلك ان حانت لحظة الفراق.. .فأهم البنود التي تتم مناقشتها هي الرسائل وكيفية التعامل معها.. فالعلاقات كانت تنتهي في هدوء وسرية تامة.. ويمضي الأشخاص كل في طريقه يبقى أثرهم عبر الأشعار والقصائد التي تحكي لنا عن تلك اللحظات الفارقة في حياتهم.. اقرأ معي أشهر ما قيل في شأن اجراءات تسليم وتسلم الرسائل.. هو ما خطه عبد الوهاب هلاوي:
انت رجع لي رسايلي
والرسايل العندي شيلها
والصور لو قلت برضو
اما الصور فتلك قصة أخرى.. كانت الصور تأتيك بعد طول تمنع من الفتاة.. وربما لا تمنحك صورتها الا بعد الخطبة الرسمية.. فتذهب الشابة الى الاستديو مخصوص و ترسل لك الصورة ومعها بضع كلمات في الخلفية.. تمثل اهداء يبقى أبد الدهر.. ولأن الصور عزيزة المنال.. فطلب اعادتها هو من أهم النقاشات التي تدور عند اعلان الفراق.. فالخوف من الاحتفاظ بالصورة يجعل الفتاة تطالب بها قبل الرسائل.. وفي هذا الشأن كانت أغنية عبد الله البعيو المعروفة:
صورتك الخايف عليها وانت ماخايف علينا
هاك بي تذكارها شيلها.. وشيل معاها الفي عينينا
كل الاستطراد أعلاه في شأن الرسائل.. سببه انني تابعت الضجة الاسفيرية التي حدثت بعد كشف الرسائل الاسفيرية المتبادلة بين شاب حدث السن و ثماني عشرة فتاة كان يمارس عليهن الخداع ويبذل لهن الوعود الكاذبة.. وقد استطاع بذكاء يحسد عليه ان يحافظ على علاقة عاطفية اسفيرية معهن جميعاً في وقت واحد.. وكان الامر في (أمانتي الله) حتى كشفته احداهن عندما أرادت ان تتفاخر بما يكتبه لها فنشرته باسمه.. وكانت (سيرة انفتحت) فقد انهالت (الاسكرين شوتات) من كل حدب وصوب بالرسائل (كوبي بيست) التي يوزعها على المحظيات.. والمسكين أخد علقة اسفيرية وهجوم نسوي لا مثيل له.. مما جعله (ياخد ساتر) والدليل اننا لم نسمع له صوتا منذ ذلك الوقت..
الشاب المذكور أعلاه كانت أسلحته الفتاكة عبارة عن رسائل نصية قصيرة.. وان تمحصتها لوجدتها كلام عادي.. لا به شوق ولا هيام ولا له طعم ولا رائحة.. ولا حتى سجع ولا بلاغة ولا بديع قول.. رسائل سريعة يأتيك جوابها قبل ان يرتد اليك طرفك.. رسائل (مسيخة) كذلك الطعام الذي طبخ على عجل.. لا (البصلة دابت ولا اللحمة نجضت ولا الدمعة اتسبكت).. لذلك لم تتردد صاحباتها في مشاركتها مع الجميع.. فصارت مستباحة من قبل الأسافير ومحرك البحث وباقة الاصدقاء المشتركين.
قاتل الله التكنولوجيا التي (مسخت) كل شئ حتى الاحساس الجميل.. حتى النهايات صارت باهتة بلا معالم الا رحم الله أبي فراس الحمداني حين قال:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر.. اما للهوى نهي عليك ولا أمر