بشفافية
حيدر المكاشفي
ستنا بت عجيب ملكة شندي والجعليين
نهدي هذه السيرة المختصرة جدا للملكة ستنا التي حكمت منطقة شندي لاولئك الذين رفضوا تعيين امرأة واليا عليهم بزعم باطل وجهل كامل بأن (رجولتهم وشنباتهم) وارثهم وثقافتهم لا تسمح بذلك..
تقول سيرة هذه السيدة العظيمة، إنها ستنا بت عجيب التي حكمت منطقة شندي في القرن الثامن عشر وكان لها نفوذاً كبيراً، وقصتها تثبت أن أهلنا الجعليين ليس كما يقال عنهم انهم يضطهدون المرأة، بدليل قبولهم بملكة عليهم حكمت حاضرتهم شندي وكانت ذات هيبة وجلال.
والملكة ستنا هي ستنا بنت عجيب بن العقيل بن عجيب (عجيب الكبير أو عجيب المانجلك) وهي اخت الامين ود عجيب واخت عبد الله ود عجيب.
وكان أول توثيق وذكر للملكة ستنا جاء في توثيق ود ضيف الله لسير الشيوخ والأولياء حيث قال في كتاب (الطبقات) وهو يحكي عن كرامة للشيخ ابراهيم ود بري، وقعت له كرامة مع ادريس ملك السعداب، والسبب أن رجلاً من ناس قري يقال له معروف ولد الضو دفع له الملك عبد السلام دارا، فلما ولي إدريس أخذها منه فوقع علي ابراهيم ولد بري فجاءه في قري حين زواجه لستنا بنت الشيخ عجيب (ومن المعروف عن ود ضيف الله توثيقه لكثير من النساء من بنات وأمهات الشيوخ ونسبه الشيوخ لامهاتهن مما يوضح الدور الكبير للمرأة في مجتمع دولة الفونج والدويلات السودانية المعاصرة لها في ذلك الوقت. لكن أغلب الاشارات لدور الملكة ستنا نجدها في كتب الرحالة حيث جاء ذكرها في كتاب الرحالة جيمس بروس (The life and adventure of James
Bruce, the African Traveller)
حيث يحكي فيه مقابلته للملكة ستنا وطريقة ترحيبها به وحوارتهما، كما ذكر فيه أيضاَ زوجها إدريس ولم يقل بأنه كان ملكا بل الواضح أن الملك كان عند ستنا نفسها وليس موروثاً عن زوجها، كما جاء ذكرها في كتابات الرحالة الفرنسي كابو، وقد نقل كل من بوركهاردت والآن مورهيد عن بروس كتابته عنها ووصفه لها.
ويبدو ان تملك النساء ودورهن في تحديد انتقال الملك لم يكن شيئا نادرا، حيث يذكر بوركهاردت والذي زار شندي في 1818 ( أي بعد حوالي 40 عاما من زيارة بروس) أن النساء في شندي لعبن دوراً كبيراً في انتقال الملك هناك .وقد وثقت جانيس باتريشيا بودي هذا الأمر في كتابها عن الزار في شمال السودان (Wombs and Alien spirits: Women, Men, and the Zār cult in Northern Sudan)
ولا يمكن النظر الى دور ستنا دون معرفة دور ابيها، فالراجح أنها ورثت الملك عن ابيها لا عن زوجها (كما تقول معظم الروايات)، فأبيها هو الشيخ عجيب المانجلك، ويختلف الناس حول معني اللقب، فالبعض يقولون إن اصله فونجي، بينما يذهب البعض لتعريبه بأنه اختصار لتعبير (ما نجل الا اياك)، وقد وصفت مملكته بالمانجلية، وقد كان الرجل محارباً وشيخاً وقد صاهر أهل الشرق، وكان له اهتمام بالعلم والدين بل يعده البعض شيخاً وولياً. ونجد توثيقاً واضحاً للنساء من حول الشيخ عجيب المانجلك، فأمه هي بنت الشريف الحاج أبودنانة ، وقد زوج إبنه عثمان لمريم بت الشيخ عشيب، مما يدلل على دور النساء الكبير حول الرجل، وليس من الغريب في هذه الحالة ان يذكرها ود ضيف الله في كتابه ويذكر تفاصيلا متعلقة بزواجها. ووفقاً لبروس ففي عام 1772 م كانت شندي قرية كبيرة أو بالأحرى مدينة صغيرة تحتوي على حوالي 250 بيت غير متراصة البناء، ويقع القصر الملكي لستنا حوالي نصف ميل من المدينة، ويقول بروس إن شندي ذكرته بمروي القديمة، حين وجد فيها بعض الاثار القديمة، ويقول إنه كان هناك بيتين أو ثلاثة مقبولة البناء أما بقية البيوت فكانت مبنية بشكل ردئ. ورغم هذا فقد كانت شندي مركزاً تجاريا حيث كانت القوافل تأتي إليها من سنار ومصر وسواكن وكذلك كردفان والتي يبدو أنها كانت معبراً آخراً الى مصر وخصوصا بعد قطع الطريق بين دنقلا وصحراء بيوضة..وبعد..هذه لمحة سريعة من سيرة السيدة السودانية الصميمة والعظيمة التى حكمت شندى، وهى واحدة من كثيرات من نسائنا ذوات الاثر والنفوذ في تاريخنا الاجتماعي والسياسي، أمثال عجوبة، مهيرة بت عبود، صفية بت صبير، رابحة الكنانية، نصرة بت عدلان، مندي بت السلطان عجبنا، تاجة أخت السلطان علي دينار..و…و..من نسائنا الماجدات اللائي تركن أثراً وبصمة في تاريخنا السياسي والاجتماعي وموروثنا الثقافي..
الجريدة