ساخر سبيل
الفاتح جبرا
خطبة الجمعة
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
إخوة الإسلام:
إن من أعظم الأمانات أمانة الولاية بمختلف مستوياتها وتنوُّع مراتبها؛ ولهذا جاء التشديد على أهميتها والعناية بها في الإسلام؛ عن أبي ذرٍّ – رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسول الله ألا تستعمِلني؟ فضرب بيده على منكِبي، ثم قال: «يا أبا ذرٍّ إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها»؛ أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إنكم ستحرِصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
ومن هذا المنطلَق أحاط الشرعُ العظيم جميعَ الولايات وكافة المناصب وخاصة الحكومية بسياجاتٍ من الأوامر والنواهي التي متى رُوعِيَت أُدِّيَت الأمانة على أكمل وجهها، وتحقَّقت بهذه الولاية المصالح المتنوعة، واندرأَت بها المفاسد المختلفة، فكانت العاقبة حميدةً، والسيرة طيبة، والنتائج مرضية، ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
إخوة الإسلام:
وإن من هذه السِّياجات أن الإسلام أوجبَ على صاحب الولاية حاكمًا أو غيره العدلَ التام في جميع مسؤوليات ولايته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ ، وقد مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – العادلَ في ولايته القائمَ بالقسط في منصبه؛ ففي السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظلُّه: «إمامٌ عادل»؛ أخرجه البخاري ومسلم.
ومن الأصول التي يجب إتباعها في باب الولاية التحذير من الظلم بشتَّى صوره؛ ففي الحديث القدسي – فيما يرويه – صلى الله عليه وسلم – عن ربِّه أنه قال: (يا عبادي إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تَظَالَموا) ، وفي توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذٍ حين بعَثَه إلى أهل اليمن: «واتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ»؛ متفق عليه.
معاشر المسلمين:
وقد فرضت الشريعةَ على كل من تولَّى أيَّ ولايةٍ للمسلمين أن ينصحَ لهم ويُخلِصَ في خدمتهم، وأن يصدُق في رعاية حاجاتهم، قال – صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ يسترعيهِ الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّم الله عليه الجنَّةَ»، وقد أمر الإسلام في هذا الجانب أيضاً وجوب الرِّفق بالرعيَّة، والشفقَة عليهم، والرحمة بهم؛ عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في بيتي هذا: «اللهم من ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فرَفَقَ بهم فارفُق به»؛ رواه مسلم.
وإن من التوجيهات الإسلامية لمن تولَّى للمسلمين ولايةً أنه يجب عليه أن يسمع لحاجاتهم، وأن يحرِصَ على البحث عن شؤونهم، والتحرِّي عن كل ما يُصلِحُ أوضاعَهم، وألا يجعل بينه وبينهم ما يحجِبُه عن أحوالهم ومعرفة أوضاعهم.
إخوة الإسلام:
ومن التوجيهات في الإسلام لأهل الولايات أنه أوجبَ عليهم أن يحرِصوا على تقريبِ أهل الخير والهُدى وذوي الصلاح والتقوى، وأن يبعُدوا عن أهل الفساد والهوى؛ روى البخاري عن أبي هريرة وأبي سعيدٍ – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ما بعثَ اللهُ من نبيٍّ ولا استخلَفَ من خليفةٍ إلا كانت له بِطانتان: بِطانةٌ تأمره بالمعروف وتحُضُّه عليه، وبِطانةٌ تأمره بالشر وتحُضُّه عليه، والمعصوم من عصَمَه الله).
نرجو من الله العلي القدير أن يعين الولاة الجدد في أداء مهامهم وأن يهيء لهم البطانة الصالحة ويوفقهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد ، اللهم وفِّقهم لما تحبُّ وترضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الجريدة