مناظير
زهير السراج
أدعياء الدين !
* تحولت خطبة الجمعة أمس في بعض مساجد البلاد الى صيوانات للعزاء والبكاء على الدين الإسلامي الحنيف الذي يتهدده الموت والفناء بالتعديلات التي اقترحها وزير العدل وأجازها مجلس الوزراء والمجلس السيادي، وصدرت بتوقيع الفريق عبد الفتاح البرهان في الثالث عشر من الشهر الجاري، خاصة المادة 79 (التعامل في الخمر) من القانون الجنائي العام لعام 1991، الذى اثار ادعياء الدين فتنادوا للبكاء على الدين، والدعاء على وزير العدل الذى يسعى لوأد الدين وقتله بإباحة صنع وبيع وشرب الخمر لغير المسلمين!
* الغريب أن الدعاء لم يشمل رئيس مجلس السيادة الذى مهر التعديلات باسمه وتوقيعه وبدون ان يفعل ذلك لما رأت النور، ولكنه استهدف وزير العدل (الحيطة القصيرة) الذى اقتصرت مهمته على اقتراح التعديلات فقط ورفعها لجهات الاختصاص التي تجيزها، ولو كان هنالك من يُدعى عليه فهو الفريق (عبد الفتاح البرهان) رئيس المجلس السيادي وليس وزير العدل، وهو ما يؤكد ان الذين يهرجون ويذرفون الدموع ويرفعون الأكف بالدعاء أجبن من أن يدافعوا عن الدين ، وإلا لدعوا على الذى مهر القانون باسمه وتوقيعه، ولكنهم جبنوا وخافوا منه، وهو اعتدنا عليه في العهد البائد الذى لم ينطقوا فيه بكلمة واحد ضد فساد وجرائم المخلوع وزبانيته!
* كما ان القانون الذي يتباكون على صدوره كان موجودا منذ عام 1991، ولم يصدر هذه الأيام فقط، فأين كانوا طيلة الثلاثين عاما الماضية، ولم نسمع لهم صوتا أو نرَ لهم غيرة على الدين، أم انهم كانوا يخشون على انفسهم من غضب المخلوع أو تزلفا له، وعندما أنعم الله على البلاد بنسمات الحرية خرجوا من جحورهم يذرفون دموع التماسيح ويتظاهرون بالغيرة على الدين!).
* تنص المادة 78 / 1 من القانون الجنائي لعام 1991 على الآتي: ( من يشرب خمرا أو يحوزها او يصنعها يعاقب بالجلد اربعين جلدة اذا كان مسلما)!.
* كما تنص المادة 78 / 2 على: (دون مساس بأحكام البند 1 من يشرب خمرا ويقوم باستفزاز مشاعر الغير او مضايقتهم او ازعاجهم او يشربها في مكان عام او يأتي مكانا عاما وهو في حالة سكر، يُعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهرا او بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة كما تجوز معاقبته بالغرامة!).
* هاتان المادتان موجودتان في القانون منذ عام 1991، أي قبل ثلاثين عاما تقريبا، فأين كان أدعياء الدين، ولا تزالا موجودتين في القانون حتى اليوم، ولم يمسهما أي تعديل، فإذا شرب المسلم خمرا يُعاقب بالجلد، ومَن شرب خمرا وقام باستفزاز مشاعر الغير أو مضايقتهم ..إلخ حتى لو لم يكن مسلماً يعاقب (حسب المادة 78 / 2)، ففيمَّ البكاء وذرف الدموع؟!
فضلا عن ذلك، فإن المادة 79 التي جرى تعديلها مؤخرا لتسمح لغير المسلمين بصناعة وبيع الخمر، منعت بيعها وصناعتها للمسلمين، كما انها منعت منعا باتا تقديمها في طعام او شراب او أي مادة للجمهور (بدون التطرق لنوع الديانة)، أي أن تقديمها في طعام أو شراب ممنوع للجميع وليس للمسلمين فقط، بالإضافة الى انها منعت الاعلان عنها والترويج لها بأي وجه وشكل من الأشكال، ولم تترك الحبل على الغارب (وليس القارب) لمن يصنع ويبيع الخمر ليفعل ما يريد!
وللتأكيد، إليكم النص الجديد للمادة 79 (تعديل 2020 ): (يُعد مرتكبا جريمة كل مسلم يتعامل في الخمر بالبيع او الشراء وكل شخص يتعامل مع مسلم في الخمر بالبيع او الشراء أو يقوم بصنعها وتخزينها او نقلها او حيازتها إذا كان مسلما، أو كان ذلك بقصد التعامل فيها مع المسلمين، أو يقدمها او يدخلها في طعام او شراب او مادة يستعملها الجمهور أو يعلن عنها او يروج لها بأي وجه، يُعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة كما تجوز معاقبته بالغرامة، وفى جميع الحالات تباد الخمر موضوع التعامل).
* وها هو النص القديم ( قانون 1991 ): (من يتعامل في الخمر بالبيع أو الشراء ، أو يقوم بصنعها أو تخزينها أو نقلها أو حيازتها وذلك بقصد التعامل فيها مع الغير أو يقدمها أو يدخلها في أي طعام أو شراب أو مادة يستعملها الجمهور أو يعلن عنها أو يروج لها بأي وجه يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة كما تجوز معاقبته بالغرامة . وفى جميع الحالات تباد الخمر موضوع التعامل)، وكل الفرق بين النصين هو السماح بالصنع والتداول (لغير المسلمين)، مع الإبقاء على منع الترويج والاعلان، ومنع تقديمها في شراب أو طعام لأى جنس مخلوق، مسلما كان أو غير مسلم!
* في حقيقة الأمر، فإن الذين نصبوا الحيوانات وذرفوا الدموع على الدين الحنيف، لم يفعلوا ذلك غيرةً على الدين وخوفا عليه، وإنما خوفاً على سلطتهم وتسلطهم على الناس باسم الدين الحنيف من الزوال، وإلا لأظهروا هذه الغيرة والخوف على الدين في العهد البائد الذين لم يكن فقط يبيح شرب الخمر لغير المسلمين، وإنما كان يرتكب كل الموبقات والمعاصي والجرائم التي ينهى عنها الدين الحنيف!
الجريدة