_
* من حقنا أن نقول لرئيس مجلس الوزراء الانتقالي )شكراً حمدوك(، بسبب استجابته السريعة لما ظللنا نكتبه في هذه المساحة عن الفوضى والعشوائية والفساد المالي والإداري المعشعش في هيئة الموانئ البحرية، التي بقيت على حالها بعد الثورة، لتظل إدارتها بيد من أتوا لمناصبهم مسنودين برافعة الانتماء الحزبي للنظام البائد.
* أمس أقال حمدوك مدير الموانئ، وعيَّن بديلاً له بقرار واحد، نرجوله أن يشكل نقطة البدايةً لمسيرة إصلاح الهيئة الموبوءة بكل موبقات الفشل، مع أن القرار اتبع نهج الإنقاذ في توزيع المناصب بمحاصصات سياسية وجهوية وعرقية.
* لو تم استبدال المدير المقال بالكابتن حمودة لنال القرار درجة الكمال، لأن من ذكرناه يتوافر على كل مقومات المنصب، كفاءةً ونزاهة وخبرةً وقوة في الشخصية، علاوةً على أنه يحظى بقبول واسع في مجتمع الموانئ، الذي حفظ له مناهضته لجريمة بيع الميناء بجرأةٍ يحسد عليها، دفعته إلى إغلاق بوابات الميناء بالحاويات في وجوه موظفي رئاسة مجلس الوزراء ومندوبي الشركة الفلبينية، من دون أن يخشى محاسبةً أو تنكيلاً.
* هيئة الموانئ ما زالت تزخر بمن تولوا مناصبهم بسند التمكين، ومنهم نائب المدير الحالي للهيئة، الذي يشغل منصب رئيس الحركة الإسلامية في ولاية البحر الأحمر.
* من غرائب هيئة الموانئ وبلاويها الكبيرة أنها شهدت توظيف قرابة خمسة آلاف عامل وموظف جديد قبل سقوط الأنقاذ بشهورٍ قليلة، بممارسةٍ طغت عليها المحسوبية والمجاملات، وتواصلت حتى بعد سقوط حكومة العهد البائد، بكشوفات شهدت تزويراً مريعاً، وتعديلاً وتبديلاً وتحويراً، تم بمزاج من أشرفوا عليها.
* أخطر من ذلك ما يحدث في رسوم تنزيل الحاويات، وقيمتها )163( يورو للحاوية الكبيرة، )108( يورو للصغيرة.
* يفترض في تلك الرسوم أن تورد بواسطة شركات الملاحة في حساب هيئة الموانئ )باليورو(، أو تودع في حسابي الهيئة في بنكي النيلين والخرطوم بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، لتوفر للهيئة موارد ضخمة بالعملات الأجنبية.
* المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى وجود فسادٍ بالغ القبح في تلك الحسابات، يتم بموجبه السماح لشركات بعينها بسداد الرسوم )باليورو الحسابي( من حساب لحساب، بدلاً من توريدها )كاش( أو تحويلها إلى حسابي الهيئة في الإمارات.
* نالت تلك الشركات )بعضها حكومي( حظوة شراء اليورو من حساب الموانئ بالسعر الرسمي، كي تعيد تبيعه إلى الشركات الملاحية، التي تورِّد المبالغ نفسها في حساب الهيئة مرةً أخرى، كي تسدد بها رسوم تنزيل الحاويات والأرضيات.
* يعني )من دقنو وأفتلو(!
* الفارق بين سعري )الحسابي والكاش( يذهب إلى جيوب سماسرة، اغتنوا من ممارسة راتبة استمرت عدة سنوات، ودرت على هؤلاء الفاسدين الملاعين مبالغ مهولة، وأهدرت على الدولة ثروة ضخمة بالعملات الحرة.
* مطلوب من لجنة التحقيق التي كونها النائب العام قبل أيام أن تدقق هذه المعلومات الموثقة، وتراجع حسابات هيئة الموانئ بالعملات الأجنبية داخل البلاد وخارجها، كي تحدد هوية الشركات التي استفادت من أكبر جريمة فساد حدثت في تاريخ الموانئ، وتحيل مرتكبيها إلى المحاكمة، وتحاسبهم على نهبهم القبيح للمال العام، وهدرهم للعملات الصعبة، في بلادٍ تعاني الأمرين من ندرة اليورو والدولار.
* نزيد على ذلك أن بعض شركات الملاحة ما زالت تحاسب الموردين على رسوم أرضيات الحاويات والتنزيل بسعر السوق الأسود لليورو والدولار.
* تلك الجريمة تحدث يومياً، وهي مستمرة حتى اللحظة، فهل من مراجعٍ ومحاسب ومعاقب؟