صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

صمود أرهق النِظام البائد ..فضيحة فيديو مِيدان الدرايسة كانت بمثابة القشة..في الذكرى الاولى لثورة ديسمبر

51

 

بُري …… صمود أرهق النِظام البائد
القوات الأمنية أستهدفت أبناء البراري بالمُعتقلات
(4) شُهداء قدموا أرواحهم مهراً للثورة مِن بُري (3) مِنهم استشهدوا إختناقاً بالبمبان
ضابط أمن مُتذمراً : “ناس بُري لا بفتروا لا بنتهوا ”
فضيحة فيديو مِيدان الدرايسة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر النِظام البائد

الخرطوم : سلمى عبدالعزيز

لم تكن سوى سُودان مُصغر، ضم بين طياته المئات مُختلفين فِي كُل شيء، مُتفقين فِي شيء واحد فقط ” حُبهم للسُودان “، الثُوار والنِظام فِي أوجه وقبيل أنّ تنطلق المواكب كانوا يتسللون مِن بين أحياء العاصمة المثلثة ليلاً لتُشرق شمسهم ببُري، فهُناك بين أهلها الذين أعلنوا مُعاداتهم جهراً لنظام المخلوع “تحلو المواكب” أو كما قال أحدهم “ليها طعم خاص “.
فتحوا أبوابها مُشرعة لإستقبال القادمين طوعاً، مُشكلين قُبيل بذوغ فجر الإعتصام بالقيادة العامة، آخر خاص بهم ، أبواب البيوت تتقدمها “حافظات المياه “، فِي بُري لن تظمأ حناجر ملؤها الهُتاف، ولن تجوع فالأمهات حِينها استبدلن قعدات “القهوة ” الضُهرية بهجير “صِيجان العواسة “.

(الجريدة) استرجعت مع أُسود البراري تفاصيل أيام ثورية خاضوها جميعاً بلا استثناء ببسالة عن يقين راسخ وإيمان قوي ترجمته مواكب مُهيبة شاهد عليها لهيب أسود خلفته نِيران أشعلوها بقلوبهم وإمتدت إلى (اللساتك).

لم تكن ثورة جِياع
وَضح النهار، شمس الشِتاء فِي أوجها، الشوارع هادئة إلا مِن همهمة المارة المُنهكين من مُعافرة بدأت “الدقش”، كُل شيئ يقول بأنّ هذه الأرض رضخت للسكون والصوت المُنخفض، عام أوشكت نِهايته، لم يتبقى سوى أيام معدودة لتُعلن الإذاعات المكبلة بالقيود احتفالات البلاد بأعياد الإستقلال، يطل صوت المخلوع مُردداً وعود عرقوب، ثم ينطلق عام أخر يُشبه سابقيه فِي كل شيء، وكان لبُري رأي آخر، لهُتاف سُكانها الذي شق حناجر الخوف وخرج مُدوياً مُزعزعاً القصر ومن فِيه حديث مُختلف.
يصطحبنا محمد عمر ” فرنساوي ” والعديد مِن أبناء بُري على بُساط مِن الدهشة والسرد الجميل لأيام ثورية باقية ما بقيت دماء الشُهداء تُعبق بعطرها أرض وطن لم يبخلوا عليه بشيء، يقول بصوت جهور وكأنه يُردد هُتافات الثورة نهار موكب قوي خرج مِن ضل البيوت لزمهرير الشوارع : يوم (4) ديسمبر انطلقت أُولى مواكب بُري المُطالبة بإسقاط النِظام وعليَّ أنّ أُؤكد بأنّها لم تخرج عَن بكرة أبيها بحثاً عَن خُبز أو لأنّ الجوع أنهك أجساد قاطنيها، لم تخرج لعُري لم تجد مَا يستره، وإنما رحلة بحث عن كرامة مُنهكة، وذل ذُقناه أجمعين لثلاثين عاماً، بحثاً عَن الذات واسترداد وطن نُهب وأُفقر وشُرد أبنائه، كان اسقاط النظام هو الهدف الأوحد لأهالي بُري.

انتهاكات جسيمة
اقتحام للمنازل مُنتصف الليل يعقبه إنتهاك لحُرماتها بلغ ذورته بتفتيش غُرف النوم، اعتقالات للعشرات مِن أبناء المنطقة، “بمبان”غطى فضاءها العريض، وأصوات الرصاص المُتعاقبة، تفاصيل تختزن بها ذاكرة “فرنساوي”سردها لـ(الجريدة) قائلاً: للثُوار ببري خبرة طويلة إكتسبوها بعامل الوقت وخرجوهم المتواصل ضد النظام البائد، نعرف العديد مِن الذين يتبعون لجهاز الأمن ويعرفوننا جيداً لكثرة ماتعرضنا له من اعتقال ومُكوثنا بالمعتقلات أحايين كثيرة لأشهر مُتتالية.
كانوا يخافون “بُري” وتُرهقهم المواكب بِها، لأننا كُنا نُنظمها بإستراتيجية المُناوبة، أيّ أنّ الموكب الذي يبدأ فِي الثالثة ظُهراً قد يستمر حتى الثالثة صباحاً، نقوم بتقسيم الثُوار لساعات مُتفاوتة، هُناك من يخرج صباحاً، ليستلم بعدها الوردية غيره، ثم “يصبها” آخرون ليلاً وهكذا يجد أفراد القوات الأمنية أنفسهم أمام حلقة لا نِهاية لها، ونشاط لا يفتر وهذا مايُفسر قول أحدهم ” ناس بُري لا بفتروا لا بنتهوا “.

الجيل الراكب رأس
وأضاف: أكثر مايُدهش أنّ حملات النظام البائد المستعرة لم تكن تزيد أهالي المنطقة إلا اصراراً ، تلاحم و”ركوب رأس” كُنت ألمحه بأعين الجميع بمُجرد وصول خبر بأنّ “فلان”مِن أُسرة كذا تم اعتقاله، تخرج المواكب بلا سابق ترتيب، تعلوا الهُتافات، وكأنها تُطمئن بصورة غير مُباشرة أسرته “نحن أُسرة واحدة “.مواكب تضم كافة الفئات العمرية، الأطفال محمولين على الأعناق، النساء الطاعنات بالسن يستندن بأذرع بناتهن، والشيِاب يتقدمون الصفوف قبل الشباب، فِي المواكب لا أحد يبقى بمنزله، الجميع بالشوارع، حتى المرضى وكأنهم كانوا يجدون عافيتهم بين الهُتاف، فِي بُري تختلف قليلاً مقولة إلتقى جيل التضحيات بجيل البطولات، ٌكنا نقول ” إلتحم جِيل الخبرات بالجيل الراكب راس “.

أيام عصيبة
لم ينسَ محمد عمر نهار الجمعة الموافق (14) ديسمبر عشية اعتقاله والعشرات مِن أبناء المنطقة، يقول لـ(الجريدة):بعد صلاة الجمعة مُباشرة خرجنا مِن المسجد ثم اقِمنا مُخاطبة مُهمة، انطلق بعدها موكب مُهيب ضم العشرات، لم تكد تغيب شمس ذاك اليوم إلا وقوة أمنية اقتحمت المنطقة واعتقلت العشرات من ابنائها، مكثتُ داخل معتقلاتهم لأيام ثم أُطلق سراحي.
القوات الأمنية لم تكن تُخبئ استهدافها لأبناء بُري، كان واضحاً كالشمس إذ خصتهم بالتعامل القاسي عن قصد وذلك لم يزد ثوار البراري إلا قوة وتمسكاً بمواقفهم لأنهم كانوا على يقين بأن النظام بائد لا محالة، فيخرج أحدهم من المعتقل صوب الموكب مباشرةً وقبل زيارة منزله.

* ميدان الدرايسة
“هذا الفيديو فضيحة اخلاقية وإنسانية وسياسية ودينية وأمنية، فضيحة يمكن أنّ تهز أي دولة فِي العالم تبقّى لحكامها وحكومتها ذرة من الأخلاق والمسؤولية والاحترام”، هذه الكلمات إبتدر يِها وزير الثقافة فيصل محمد صالح منشور حَمل بين طياته معالم الدهشة والإستياء فِي آن.
يقول عمر لـ(الجريدة) : أراد النِظام السابق إذلال أهالي بُري يإقتحامه مِيدان الدرايسة وترويع المواطنين بتقديم مسرحية هزيلة لكنه رسم معالم سُقوطه بتلك الفضيحة المدوية، وأضاف ذلك اليوم خاض أبناء بُري معركة شرسة مع أفراد أمن على مقربة مِن شارع الـ(60)، فإستغل بعضهم الفرصة لإقتحام المِيدان واستعراض قوة زائفة.
أشعل فيديو اقتحام قوات أمنية لميدان بُري الدرايسة فِي مطلع مارس المنصرم موجة غضب عارمة اجتاحت البلاد عامة وأستعجلت بشكل لم يكن يتخيله النظام البائد سُقوطه.

كنداكات بري
الشُهداء الذين خاضوا معنا المواكب كتفاً بكتف بمواقفهم التي تخللها الكثير من الحُزن والفرح هُم وحدهم من يستحقون الإحتفاء، سنظل نُطالب بالقصاص لهم بذات العزيمة التي تُطالبه بِها أُسرهم، وستظل هذه الثورة ناقصة مالم نسترد حُقوقهم كاملة.
أما “كنداكات” بُري اللائي تحزمن بالثياب وأرجعن البمبان وترّسن الشوارع وفتحت منازلهن للثُوار طوال الـ(4) أشهر ، ومنهن من تم اعتقالهن وكانت المُفاجأة عودتهن للميادين والمواكب فور خُروجهن مِن مُعتقلات الأمن المُوحشة، لا شيء يمكن قوله لهن سوى أنّ وطن يمتلك نِساء ثائرات لن يُضام.

فض الاعتصام
بعد فض اعتصام القيادة العامة سارع أهالي بُري فتح منازلهم للناجين مِن المجزرة واسعاف المُصابين، يذكر “عمر” أحداث ذلك اليوم وكأنه حدث قُبيل سويعات كيف لا وهو يُعد أحد الذين خرجوا مِن أرض الإعتصام صباح ذاك اليوم المشؤوم، جُل الذين استقبلتهم بُري كانوا مِن أبناء الولايات انقذتهم العناية الألهية مِن موت مُحقق إذ أنّ الذين نفذوا تلك الجريمة لم يكن هدفهم” كولمبيا ” وفق ما زعموا فمطاردتهم للثوار حتى مداخل كبري المنشية المؤدي للشرق النيل ومنطقة الرياض بالخرطوم بل وداخل الأحياء السكنية تدحض أكاذيبهم تماماً.
مُضيفاً : قام الأهالي لحِماية الناجين بتتريس الشوارع، ثم تضافرت الجهود مِن أجل إطعامهم وتقديم العون النفسي لهم، وهو إمتداد لـ(4) أشهر ظلت فِيها البيوت ببري بكافة أحيائها مشرعة على الدوام أمام الثوار الذين يتوافدون مِن كُل صوب راسمين بذلك لوحة زاهية من التضافر والإلتحام .

*شُهداء البراري
قدمت بُري العديد مِن الشُهداء مهراً لثورة ديسمبر المجيدة فِي مُقدمتهم الشهيد معاوية بشير خليل البالغ من العمر (60) عاماً، والذي سقط بطلق ناري داخل منزله، والتهمه إيواء المُتظاهرين، تسببت الرصاصة بتهتك فِي الشريان الرئيسي بالفخذ واستشهد متأثراً به اثناء تلقيه الرعاية الطبية بمستشفى فيصل، إضافة والحديث يُعود لحسن اسماعيل حسن مِن أبناء بري الدرايسة، لثلاثة شُهداء كبار سِنّ استشهدوا إختناقاً بالبمبان الذي كان ولأيام مُتتالية يُغطي فضاء المنطقة، مِن بينهم العم “كباشي” الذي فقد القدرة على التنفس إثر سيل مِن “البمبان” أغرقت بِه القوات الأمنية المنطقة ولفظ أنفاسه الأخيرة فِي طريقه للمستشفى، ومِثله إستشهدت الخالة”نعمات”.
ويضيف “حسن” لـ(الجريدة):لمُدة (4) أشهر تعرض ما لايقل عن (18) شاباً مِن أبناء بُري لإصابات مُتفاوتة تطلب بعضها المكوث فِي المستشفى لأيام عديدة، لجأ الأطباء حينها ولِحماية مرضاهم مِن الملاحقات الأمنية تغيير أسماء المُصابين وتبديل الغُرف كٌل حين.
“حسن” الذي تعرض للإصابة بطلق مطاطي ألزمه إجراء عملية لإخراجه بدأ بالتماثل للشفاء، بيد أنّه وحتى الآن يُوجد من هو طريح الفراش بالمنطقة، إضافة لمفقود مِن منطقة بُري “اللاماب”ينتظر ذويه قُدومه.

كُل الناس أهل
أراد عمر زهران من أبناء بري المحس أنّ يبدأ حديثه لـ(الجريدة) بالتكافل الإجتماعي الذي شهدته المنطقة إبان الثورة مُشيراً إلى أن مرده يعود لترابط الأُسر التي ينحدر جُلهم مِن مصب واحد ” الغالبية أهل “، وهُناك أيضاً رابط الزملاء بين أبنائها الذين درسوا بمدارس واحدة وبعضهم جمعتهم فصول دراسية لسنوات عِدة أيّ أنّ العلاقة قوية بين الجميع بالمنطقة.
البيوت تمد أياديها بمحبة بالغة للثُوار، مفتوحة دون طرق، مُضيفاً: ربات البيوت كُن يهرعن بالمياه الباردة و”الخميرة”للتقليل من أضرار البمبان و”سندوتشات”المُعدة بتفاني وإتقان، الحماس فِي بُري لا يهمد أنّ حدث يكفيه “زغرودة”يتيمة لينهض مِن فتوره أشد عُنفوان، هذه إجابة لمن كانوا يتساءلون مِن أين لبُري بهذا الصمود.

صحيفة الراكوبة نيوز

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد