ونعني أيوب صديق..
وهو الذي به الأخ الطيب معجبٌ إلى حد تخصيص مقالتين له…ورداً علينا..
وها نحن نضطر أيضاً إلى الرد للمرة الثانية..
أو هو شرحٌ – وتوضيح – أكثر من كونه رداً…لمجرد الرد – والمناقرة – والسلام..
فبصراحة أنا لا أذكر أيوب هذا إلا (طشاشاً)…بإذاعة لندن..
لم أتذكره إلا بعد جهد ؛ بينما لا يزال في ذاكرتي المرحوم ماجد سرحان… مثلاً..
وقد يقول الطيب – أو غيره – أن هذه (مشكلتي)..
وليست أيضاً بمشكلة…ولا تنتقص من تمام – وكمال – موسوعة ذاكرتي شيئا..
بمثلما لا ينتقص من تمام – وكمال – ديني جهلي بـ(الجمهور)..
أي جمهور العلماء ؛ وهم الفئة التي في نظر الكثيرين لا تقل (قداسة) عن القرآن..
أو دونه بقليل ؛ بما أن أقوالهم – مثله تماماً – لا تُرد..
ومن قبل رددت على واحدٍ من (مقدسيِّ) الجمهور هؤلاء…وهو عارف الركابي..
وقد كان اتهمني – كما الطيب – بتسفيه العلماء..
وهو – للعلم – ما زال يعيش بعقله في زمان الجمهور هؤلاء…وبينهم…و معهم..
ويظن أنه إذا ما قال الطبري قال فقد أفحم…وخلص الكلام..
مع أن الطبري هذا نفسه هو القائل أن أرضنا يحملها حوت عظيم…من تحتها..
وذلك تفسيراً لكلمة نون…في سورة القلم..
ويتحتم علينا – من ثم – أن نقول مثل قوله هذا…وإلا فنحن (نكفر) بالجمهور..
أو نسخر منه – ومن العلماء – كما يتهمنا أخونا الطيب..
ونحن لا نسخر من هؤلاء ؛ وإنما نلتمس لهم العذر…من منظور زمانهم البعيد..
فمنطق زماننا هذا لا يقبل أن (نقبل) بحكاية الحوت..
ولا يقبل قبولنا بعديد التفسيرات – والاجتهادات – من تلقاء جمهور (زمان)..
وكذلك منطق (المنطق) لا يقبل ببعض التفسيرات..
أي المنطق الذي لا صلة له بالعلم…والزمان…والحضارة….وأدوات قياسه..
ومنها تفسير (ولقد هم بها)…في سورة يوسف..
فكثير من الجمهور – وتابعيهم – يذهبون بقول الله هذا مذهباً عجيباً…غير منطقي..
يقولون : لقد هم بها ليضربها…لا مثل الذي همت به هي..
طيب كيف يستقيم هذا منطقاً مع قوله تعالى (وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)؟..
ومفردة (فحشاء) لا تتفق مع فعل الضرب ؛ منطقاً…ولغةً..
وإنما مع الفعل الذي أرادته امرأة العزيز قائلةً (هيت لك)…وامتنع عنه يوسف..
وهذا التفسير لا (تفسير) له سوى شدة (التقديس)..
والتقديس هذا ينتقص من تمام – وكمال – العقل المحض ؛ بغض النظر عن صاحبه..
فقد يكون من علماء الجمهور…أو من (عوام) الجمهور..
ويستوي في ذلك من يقول بقدسية الأنبياء – مثل يوسف – تنزيهاً لهم من الأخطاء..
أو من يقول بقدسية شيوخ المتصوفة ؛ والاعتقاد فيهم..
ولا منطقية القول الأول تتمثل في تعارضه مع كلام الله ؛ عتاباً لبعض أنبيائه..
ولا منطقية القول الثاني تتمثل في جعل شركاء لله..
وهي قداسة – للأفراد – لا تقتصر على مجال الدين وحسب ؛ وإنما السياسة كذلك..
ولعل الطيب يعلم كيف كان (إخوانه) يقدسون البشير..
فهو صاحب (الذات الرئاسية) ؛ فلا يجوز في حقه نقدٌ…ولا ذمٌ…ولا حتى عتاب..
ثم إنه الرئيس (الأكمل) ؛ الذي لا ينافسه منافس..
فإن ذهب ؛ ذهب السودان…وذهبت وحدته…وذهب أمنه…وذهب استقرار شعبه..
فلا بد – إذن – أن يتم التجديد له…إلى ما شاء الله..
وذلك كان هو رأي علماء السودان أنفسهم…بدليل بيانهم المشهور في هذا الصدد..
ولا عجب في ذلك ؛ فمواقفهم كلها تدور في فلكه..
وهذا شأن كثير من علماء الدين ؛ منذ نهاية عهد الخلافة…وإلى نهاية عهد البشير
ولذلك سُموا علماء السلطان ؛ ومنهم علماؤنا هنا..
ومن يخشى (ذوي الشوكة) أكثر من خشيته قول الحق يجعل من نفسه (مسخرة)..
ومن ثم يستحق أن (يسخر) منه الناس..
ويستحق السخرية – أيضاً – كل من يدافع عن (سلطانيتهم) هذه…كأيوب صديق..
وإن كان الأخ الطيب (فرحاناً) به فنحن له منكرون..
فمن يكون ؟!.