للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
التحدي الاول لمولانا نعمات
* كتبنا بالأمس مطالبين مولانا نعمات عبد الله، رئيسة القضاء الجديدة بأن تصون استقلال القضاء، وتحظر كل مظاهر تبعيته للسلطة التنفيذية، ومن أبرزها استغلال القضاء لمحاسبة من لا يسددون الجبايات المفروضة من قبل المحليات، قبل صدور أي أحكام قضائية في حقهم.
* الجبايات المذكورة تم فرضها بأوامر ولوائح محلية، صدرت بأمر مجالس تشريعية ولائية، زالت عن الوجود، وذهبت إلى مزبلة التاريخ غير مأسوفٍ عليها، بعد أن تم حلها بعد سقوط النظام البائد، لكن آثارها وقراراتها وبلاويها ما زالت مستمرة حتى اللحظة، وأخطرها وأقبحها على الإطلاق، استغلالها للقضاء في إذلال المواطنين.
* كتبنا عنها عدة مرات في ما سبق، وذكرنا أن تلك الجبايات الكريهة تتم عبر مطالبات تحمل مسميات مختلفة، وتأتي مصحوبةً بأوامر سداد محددة الأجل.. من لا يستجيب لها يتم تحويله إلى محكمة خاصة، تضع من يمتنع عن الدفع في الحبس بطلبٍ من مفوض المحلية، كي يبقى (إلى حين السداد).
* الوضع المذكور يسقط كل معاني العدالة، وينتهك قانون السلطة القضائية، والقانون الجنائي، وحتى الشريعة الإسلامية الغراء، التي تمنح المتهم كامل الحق في أن يدافع عن نفسه، قبل أن تصدر حكمها عليه.
* الذي يحدث هنا أن المحكمة الخاصة تستمع لادعاءات مفوض المحلية وكأنها وحي يُتلى، وتتعامل مع الرسوم المقررة على (المتهم) على أنها حق حتمي، ينبغي الوفاء به، بغض النظر عن الظروف المصاحبة له، وبلا أدنى تمحيص لكونه مستحقاً أو غير ذلك.
* محاكم (خاصة)، تم تشكيلها بأمر رئيس أسبق للقضاء، ألزمت المواطنين والشركات والمؤسسات بسداد قيمة جبايات، قلّما تصحبها خدمات موازية.
* خطورة تلك الممارسة تنحصر في أن المحاكم المعنية تتلقى خطابات من المحليات، تحمل أسماء العاجزين والممتنعين عن السداد، فتتعامل معهم وكأنها محاكم تنفيذ، وليست محاكم موضوع، ولا تنظر في أصل النزاع، بل تنفذ أحكاماً أصدرتها جهات غير قضائية (ونعني بها المحليات).
* (التنفيذ) يتطلب صدور حُكم قضائي، وفي القضايا التي نتحدث عنها يتم التنفيذ بغياب الحُكم.
* تستفحل خطورة تلك الممارسة عندما تأمر المحكمة بحبس (المتهمين) من دون أن تستمع إلى ردودهم، وقبل أن تمنحهم أي فرصة للدفاع عن أنفسهم، وذلك يمثل هدماً لأبسط قواعد العدالة، وازدراءً مريعاً لكل القوانين الإجرائية في السودان.
* يزداد الأمر سوءاً بمساواة العاجز والممتنع عن السداد بشاربي الخمر ومرتكبي جريمة الزنا وشهود الزور وغيرهم، لأنه يحبس مع معتادي الإجرام في زنزانة واحدة، إلى حين ترحيله إلى السجن الكبير.
* حتى مرتكبي الجرائم الكبيرة، بما فيها القتل، ينالون فرصاً عادلة للدفاع عن أنفسهم، أو توكيل محامين للدفاع عنهم، بخلاف من لم يسددوا رسوم محليات الجبايات.
* ناشدنا رئيس القضاء الأسبق أن يبعد المحاكم عن تلك الممارسات المهينة للمواطنين فلم يفعل، ونحول المطالبة إلى مولانا نعمات، كي تعيد إلى المحاكم وضعها الطبيعي، وتحكم بين الناس بالعدل، من دون أن تنحاز إلى محلية، أو تمنح السلطة التنفيذية ميزةً لا تتوافر لخصومها الممتنعين والعاجزين عن السداد.
* نتوقع من رئيسة القضاء الجديدة أن تكنس إرث النظام البائد في ما يتعلق بازدراء القانون، واستغلال القضاء لإذلال المواطنين، وانتهاك حقوقهم، فهل تفعل