ليس من المنطق محاسبة حكومة حمدوك بجريرة أخطاء وإخفاقات الإنقاذ الخدمية، هذه حقيقة، ثلاثة أسابيع هي عمر الوزارة التي تواجه أخطر تحديات البقاء الآن بعد أن أحكمت الأزمات خناقها بتلابيب المواطن، أجد نفسي متعاطفاً مع الآراء التي تدعو للصبر على حكومة التغيير، وأعتقد أن من حقها علينا أن نمهلها بعض الوقت، ولكن بالمقابل هل سيصبر المواطن المغلوب على أمره؟!
أكبر أخطاء قوى الحرية والتغيير أنها سعت لإسقاط الحكومة دون أن تتدبر أمرها بعد تسلم السلطة، غابت النظرة الاستراتيجية تجاه قضايا الناس وملفات المعاش، لذا فمن الطبيعي أن نشهد الآن الكثير من التخبط والمشكلات، غامت الرؤى فاستبدت بالثورة تحديات الحكم وكشرت الأزمات عن أنيابها، فما هي الحلول أمام حكومة حمدوك؟
عوداً على بدء، فإن عمر الحكومة مازال قصيراً، ويلزم المواطن المزيد من الصبر، ولكن بشرط أن يفتح الحاكمون جسوراً بينه وبين الأمل في فرج قريب، مازالت بصيرة الناس تستهدي بالمثل الشعبي القائل (الناجحة من عشها زوزاية)؛ وعلى الطريقة اللبنانية (لو تمطر كان غيمت).
صحيح أننا مطالبون بإمهال الحكومة فرصة لتدبر أمرها، ولكن عليها إقناعنا بأنها جادة في معالجة المشكلات التي تواجه الشعب السوداني وتختم على حياته بالبؤس والشقاء.
للأسف وبدلاً من تطمين الناس وبث جرعات الأمل والانصراف لقضاياهم الحقيقية في الخدمات والمعاش والأمن والنزول إلى الشارع للوقوف على المشكلات، افتعل الوزراء الموقرون عبر تصريحاتهم كثيراً من المعارك، وتبنوا تصريحات انصرافية لا تلامس قضايا المواطن من بعيد أو قريب.
في رأيي أن السبب في تململ المواطن يعود لانصرافية اهتمامات وزراء الحكومة وعدم ارتفاعها لمستوى الحساسية المطلوبة بعد، لا يعقل أن تكون الأولويات الآن دعوة اليهود السودانيين للعودة، ولا (حكم النكاح في الشرع)، ولم يكن التوقيت مناسباً لقاموس “اكسح وامسح وجيبو حي”، ولا للحديث عن فصل الدين عن الدولة أو دولارات ماليزيا.
الوزراء والسياديون مازالوا يمارسون (الشو السياسي)، استقلال ترحال للوصول إلى القصر الجمهوري واحتساء شاي في الشارع العام وغيرها من تزيد (لا بيودي لا بجيب).
أعتقد أن رئيس مجلس الوزراء مطالب بضبط تصريحات المسؤولين التي ترفع (الضغط والسكري)، وتبني استراتيجية إسعافية واقعية وحقيقية تخاطب المشكلات اليومية.
توشك الثورة أن تضيع بفعل فروقات الوقت بين الواقع وتصريحات المسؤولين المستفزة، لابد من أن تنصرف حكومة حمدوك للاهتمام قليلاً بأوضاع المواطنين، مازالت الأزمات التي تركتها الإنقاذ تراوح مكانها غير آبهة بالتغيير، الواقع أن عدداً مقدراً من مساندي الثورة كانوا يبحثون عن واقع معيشي أفضل.
بعد ستة أشهر من الإطاحة بحكومة البشير، مازال المواطنون ينتظرون على بوابات العشم بتغيير يعالج أوضاعهم الحياتية المزرية، بإمكانهم الصبر على شظف العيش والمسغبة والأزمات إذا أحسوا بجدية الوزراء في التعامل مع الواقع المؤسف، للأسف تركيز الوزراء على قضايا انصرافية سيفاقم من يأس الناس ويدفعهم لتبني خيارات أخرى.