وصل الابن الشرعي للأمم المتحدة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى نيويورك عقر داره مترئساً وفداً رفيعاً لأول مرة منذ سنوات بهذا المستوى للمشاركة باسم السودان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (74) التي بدأت فعالياتها بالفعل، وقد سبقته إلى هناك وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله، المرأة التي سطرت في سفر الدبلوماسية السودانية اسمها بالذهب كأول امرأة في تاريخ السودان محمولة على أجنحة الثورة، تتقلد منصب وزير الخارجية. أسماء واجهت موجة عاصفة من النقد اللاذع بسبب هفوات إعلامية حُسبت عليها، فهل تجعلها أكثر قوة لإثبات الذات والانتصار قبلاً للثورة السودانية، مسنودة برئيس وزراء يحظى بالاحترام الإقليمى والدولي وخبر دهاليز المنظمات الإقليمية، فضلاً عن تمتعه بقبول دولي وإقليمي غير مسبوق.
السودان يعول كثيراً على هذه المشاركة واللقاءات المرتقبة التي سيجريها حمدوك لكسر طوق العزلة الدولية دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً في المقام الأول.
وحُدّد السابع والعشرون موعداً لإلقاء خطاب السودان من المنصة الأممية وحسب الترتيب الذي جرى ببعثة السودان الدائمة وسفارة السودان في واشنطن، فإن لقاءات في غاية الأهمية مع كبار المسئولين بالأمم المتحدة وآلياتها قد رتبت، فضلاً عن لقاءات مع زعماء دول ورؤساء وفود أبدت إعجاباً غير مخفي بالثورة السودانية وسلميتها .
رفع اسم السودان من القائمة والعقوبات الاقتصادية وإعفاء الديون، ملفات تركة مثقلة ورثتها حكومة حمدوك، فهل ينجح فيما فشل فيه سابقوه الذين كانت تسبقهم سيول من الاتهامات وفيضانات من الشكوك فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وإذكاء الصراعات العرقية والإثنية والفساد والمحسوبية وملفات ضخام تقرأ منها المنظمة الأممية وهي ترهف السمع لزوارها .
سيناريوهات الفشل:
وفقاً لخبير إعلامي ـ حجب اسمه ـ فإن النظام السابق لم يكن مكتوباً له إدارة علاقة ناحجة مع الأمم التحده تمكنه من قطف ثمار المنظمة الأممية كونها تمتلك ضده سجلات سواء من انتهاكات حقوق الإنسان سيما المطالبة بتسليم قادته إلى المحكمة الجنائية بسبب الأوضاع في دارفور التي اعتبرتها إبادة جماعية تقوم على العرق والدين الذي يمس أهم مرتكزاتها.
وتوالت القطيعة بين المنظمة والنظام السابق عاصفة بدأت بفرض عقوبات أمريكية على قادة النظام المخلوع تصاعدت وتيرتها حتى أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب وفرضت عليه عقوبات اقتصادية ضربت حوله سياجاً من العزلة الدولية والإقليمية قعدت باقتصاده وقلصت أدواره في محيطه السياسي والاقتصادي مما سرع بالإطاحة به.
البحث عن مخرج:
منذ أن أثمرت الثورة أفرد المجتمع الدولي مساحة واسعة لدعم التغيير الجديد، وتراصت الزيارات الدبلوماسية على جيد الخرطوم تبشر بالعهد الجديد الذي تنقشع فيه غيوم العقوبات والعزلة، فأعلنت العديد من الدول والكيانات بدءاً من الولايات الأمريكية والاتحاد الأوربي بالعمل على رفع السودان من القائمة السوداء توجت بزيارة حمدوك لنيويورك والتي سوف يلتقي خلالها بعدد من المسئولين الامريكيين ويسعى لإقناعهم بتسريع الخطوة. ووقفاً للمصدر، فإن القبول الدولي والإقليمي لحمدوك والحماس الهائل من قبل الشعب السوداني هما أهم مفتاحين يسهلان حل القضية.
ليست سهلة ولكن ممكنة:
مصدر دبلوماسي وخبير واسع الاطلاع، قال إن حمدوك وهو يتوجه لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة بالنسبة له، وأول مرة بعد عقود من الزمان للسودان كدولة كانت قد سبقته إلى هنالك دلائل غاية في الإيجابية توحي بنجاح متوقع لمهمته في سوق الأمم المتحدة.
ويضيف المصدر الذي تحدث لـ”الصيحة” من خارج السودان أن تصريحات صدرت عن فرنسا وبريطانيا وحتى الولايات المتحده ثم الأمين العام للأمم المتحدة يبشر باستعداد غربي كامل للتعاون مع السودان في عهده المشرق الجديد في كافة الملفات بما في ذلك تلك التي تمسك الدول الغربية بخيوطها مثل الشطب من قائمة الإرهاب والعقوبات الاقتصادية وإعفاء الديون واستفادة السودان من مبادرة “الهيبيكس” (الدول الفقيرة المثقلة بالديون)، مروراً بالتعاون في مجالات تمويل التنمية ونقل العلم والمعرفة، كما كان الحال في السابق قبل نظام الإنقاذ.
بالطبع فإن جدول حمدوك سيتعدى خطاب السودان لمقابلات غايه في الأهمية تشمل رؤساء دول وحكومات العالم خاصة دائمة العضوية المرتبطة بالملفات الشائكة بجانب لقاءات مسئولين في محيطه الإقليمي والإسلامي . مصدر دبلوماسي آخر قطع بنجاح حمدوك دبلوماسياً وسياسياً في كسر طوق العزلة، غير التحدي الذي سيواجهه هو قدرته على إحداث تقدم ملموس ينعكس على ازدهار السودان اقتصادياً، وذلك بِحَثَّ أمريكا على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية، يضيف المصدر أن هذه العملية قد تستغرق شهرين بجانب العمل على إعفاء الديون، وقالك يجب أن يترجم العالم التعبير بالإعجاب للثورة السودانية بأشياء ملموسة تعين الشعب السوداني على تخطي هذه المرحلة الحرجة وعبر شطب الديون وأن تعمل أمريكا على رفع اسمه من القائمة السوداء بجانب الدفع بالاستثمار فيه ومطالبة حكومة حمدوك بتهيئة الأجواء الملائمة لها عبر الاستقرار وتحقيق السلام .
خطوة لما بعد:
الدكتور وأستاذ العلوم السياسية عبده مختار، يرى في حديثه (للصيحة) أن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية مرتبط بفترة اختبار قوامها ستة أشهر وأن العملية تحتاج لتدخل من الكونغرس الأمريكى باعتباره مؤسسة تشريعية بجانب تقارير إيجابية من الإدارة الأمريكية، وحمدوك قد لا ينجح مباشرة الآن، لكنه قطعاً يستطيع أن يمهد الطريق، قد لا تكون هنالك عقبات سياسية الآن، ولكن الولايات المتحده دولة مؤسسات، القرار يتخذ فيها عبرها.
ويعتقد أن وجود حمدوك في هذا المحفل الدولي يساعده على الالتقاء بأكبر مجموعة من القيادات الدولية والاستفادة من المناخ المتاح وهي فرصة ذهبية أتت في وقتها يتوقع أن يستغلها بشكل ممتاز لصالح السودان خاصة وأنه رجل أممي وله دربة على كل تحقيق حلم بات وشيكاً بعد القبول الكبير والإعجاب الذي حظيت به الثورة السودانية السلمية، فضلاً عن أن العالم بأسره يقف الآن مع السودان ومساعي تحقيق السلام كأولوية للحكومة الانتقالية مع كل الحركات، ولعل حديث السفير البريطانى للزميلة “السوداني” أن عبد الواحد إذا لم ينضم لعملية السلام في السودان (وهو أحد قيادات الحركات المسلحة التى ما زالت تضع شروطًا للانضمام لمفاوضات السلام ) سيكون مخرباً، دافعاً للحكومة الانتقالية ورئيس وزرائها حمدوك بتحقيق المكاسب التي من أجلها أزهقت أرواح الشباب.