“الحياة البرية في ذلك اليوم لم تكن على عادتها، اختفى الصخب وضجيج الحيوانات وحفيف الأشجار، لم يتبق سوى تلك الطرقات الخفيفة لقطرات المطر على الأرض العطشى وصوت مناقير الطيور على جذوع الشجر، ونحيب حارس الكائن الأخير من نوعه حزناً وألماً من احتمالات الفراق، كانت الحياة وكأنها تعزف سيمفونية وداع حزينة وصاخبة، كأنها تصرخ فينا لنصحو ونحمي تنوع الحياة فيها على هذه الأرض، وتنذرنا بأن مصير وحيد القرن الأبيض والأخير من نوعه على وجه الأرض، سيكون مصيرنا جميعاً يوماً ما”.بتلك الكلمات المؤثرة، وصفت المصورة الفوتوغرافية العالمية ” آمي فيتالي” خلال كلماتها التى ألقاتها أثناء مشاركتها مهرجان الصورة الرابع “إكسبوجر 2019” بإمارة الشارقة، وكانت الكلمة بعنوان اللحظات الأخيرة من حياة وحيد القرن الإفريقي الأبيض الأخير من نوعه والذى يسمى “سودان”.تقول فيتالي: “آتيت إلى السودان بهدف تصوير الحرب الأهلية في القارة الإفريقية، ولأنى إكتشفت أن الحرب فى السودان ليست بين البشر فقط ولكنها أيضًا صراع البقاء وقسوة الحياة البرية الطبيعية وطغيان صائدى الثروات الطبيعة، ولدينا مثال على ذلك وحيد القرن “سودان” الذي نقل من حديقة حيوان فى جمهورية تشيك إلى محمية طبيعية في إفريقيا، لم يطل بقاؤه كثيرًا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة تاركاً الأرض خالية من هذا النوع من الحيوانات التي عاشت ملايين السنين.“سودان” لم يترك للمصورة فيتالى خيار أخر سوى حبه وتعلقها به فتقول لـ اليوم السابع” على هامش مهرجان “إكسبوجر 2019″ عندما وقعت عينى عليه شعرت بالحزن الشديد فكنت أعلم أنه الأخير من نوعه، كنت أزوره يوميًا وتركت هدف زيارتى الأصلى وبدأت فى توثيق وحيد القرن الأبيض بالصور، وبعد أن قررت العودة إلى أمريكا جائني اتصال من الحارس الخاص لـ”سودان” للعودة مرة أخرى قبل أن يلفظ وحيد القرن الأبيض أنفاسه الأخيرة، فقد ترك الأكل والشراب، وبالطبع تركت كل شيء وذهبت للبرية فى افريقيا مرة أخرى، لأوثق الأحظات الأخيرة فى حياة “سودان” وكان الوداع الأخير.
ولد “سودان” فى سبعينيات القرن الماضي بجنوب السودان، التي كان يعيش فيها أكثر من 1000 حيوان من فصيلته، وفى عمر العامين أسر من بعض الصيادين ليدع بعدها فى حديقة حيوان في تشيكوسلوفاكيا، ثم إلى كينيا عام 2009، وبعدها إلى محمية طبيعية فى السودان حتى لفظ أنفاسه.