منذ أن كتبت هنا قبل حوالى أسبوع عن موافقة الفريق أول عادل بشائر على مبادرة صحيفة “التيار” تحت عنوان “تصفير السجون” أتلقى عشرات المكالمات يومياً من مختلف نزلاء السجون، في كل المدن تقريباً.. وبدا لي أن مصيبة السجن أعمق كثيراً مما تصورنا..
تلقيت اتصالات كثيرة من عائلات بعض السجناء، ويبدو فعلاً أنهم من يتحمل الأثر المباشر.. فالزوجة التي يحبس زوجها والبنت والإبن كلهم يدخلون زنزانة مفتوحة الأبواب والأسوار لكنها أكثر إغلاقاً ممن هم خلف جدران السجون.. بل وبكل أسف البعض يفقد أسرته جزئياً أو كلياً وتتحول المصيبة إلى مصيبتين..
وبعد دراسة مبدئية يبدو أن الغالبية الكاسحة من السجناء قذفت بهم سياسات الحكم البائد إلى ما هم فيه.. أصحاب الحق الخاص المحبوسون على ذمة قضايا مالية الغالبية العظمى منهم حولتهم سياسات النظام الظالمة إلى ضحايا فخاخ منصوبة بإحكام ما أسهل الوقوع في شباكها بحسن نية..
أما أصحاب الجرائم الأخرى من مخدرات وغيرها فهم أيضاً حملتهم رياح الظلم على أجنحتها حملاً إلى غياهب السجون.. أحكام تصل إلى 30 سنة.. و من يتابع خيوط القصص المؤلمة التي أدت بهم إلى هذا المصير القاتم يكتشف أنها كلها تقع تحت عنوان واحد (دولة الظلم والظلام) التي هيمنت على مقادير البلاد 30 عاماً كئيبة.
والله العظيم.. هي مسؤولية في رقابنا جميعاً لو تركناهم في غياهب السجن اللئيم.. هي مسؤوليتنا نحن جميعاً أن نعجِّل بإخراج إن لم يكن كل فليكن جُل من هم في السجون.. فالوضع تغيَّر ورياح الثورة أنجبت وطناً جديداً جميلاً.. دعونا نعطيهم فرصة أخرى.. بل دعونا نحتضنهم في مجتمعنا الجديد ونفتح لهم قلوبنا ليبدأوا حياة جديدة تمسح الأيام والشهور والسنوات التي كابدوها خلف جدران السجون المظلمة الظالمة..
من توفيق الله علينا أن المبادرة وجدت صدىً طيباً لدى قيادات عدلية رفيعة.. ومن بعض أصحاب المال الذين أبدوا حماسهم للذود بمالهم عن مستقبل إخوتنا وإخواننا وبناتنا وأبنائنا نزلاء السجون السودانية.. الطريق يبدو الآن – بتوفيق الله وفضله – معبداً نحو تحقيق الرجاء والأمل الكبير.. يوم الفرحة بـ(تصفير السجون السودانية).. حتى المحكومين بالإعدام لدينا فرصة استمالة أولياء الدم للعفو.. العفو الذي قال عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عِزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).
مع انطلاقة وطن ودولة جديدة يجب فتح صفحة جديدة لنزلاء السجون.. ولا يجب أن يكون ذلك حلماً طويل الأجل، فكل ساعة في السجن تعادل شهراً خارجه.. للمسجون ولأسرته.. نحن متفائلون أن الأسبوع القادم سيشهد بداية انطلاق إطلاق السجناء.. استعادة البسمة في وجوه غابت عنها طويلاً.. وبالله التوفيق