:: (ممتاز)، لقد وضع وزير العدل نصر الدين عبد الباري يده على أحد جراح البلد، ونأمل أن يداويها (عاجلاً).. فالشاهد، يوم الأحد الفائت، بورشة تقييم تجربة قسمة السلطات بشأن الغابات الموارد الطبيعية بوزارة العدل، أقر وزير العدل بوجود مشكلات بين المركز والولايات في عدد من الاختصاصات المقيدة في الدساتير السابقة، وأن على رأس المشكلات إدارة الأرض واستغلالها في تنمية الموارد الطبيعية، فضلاً عن تخطيط المدن والبوادي.. وصدقاً، هذه إحدى مآسي السودان منذ الاستقلال وإلى هذا اليوم.
:: وبما أن مناخ الاستثمار في بلادنا (رائع)، كما مناخ حكومة نيفاشا الذي شهد أكبر توافد للمستثمرين في تاريخ السودان، يجب معالجة الأزمات التي تعيق الاستثمار حتى لا نعيد سيناريو تشريد المستثمرين.. وعلينا – حكومة ومجتمعاً وإعلاماً – أن نتعظ من أسباب التشريد السابق.. وكما ذكر مولانا عبد الباري، فإن أكبر عقبة يجب تذليلها هي (عقبة الأرض).. فالأرض في السودان لا تملكها الدولة، كما تنص دساتير دول الدنيا والعالمين، بل تملكها القبائل ونُظّارها ثم المجتمعات بوضع اليد.
::امتلاك القبائل للأرض (أُس البلاء)، وأكبر معيقات الاستثمار والتخطيط .. وتذليلاً لمتاعب استغلال الأرض، طورت الدول علاقة الإنسان بالأرض ثم نظمت هذه العلاقة بالقوانين التي لا تظلم المجتمعات ولا تعطل الاستثمارات.. ولكن نحن في السودان، منذ الاستقلال وإلى عهد حكومة الثورة هذا، لم يُكرمنا القدر بقوانين تطور علاقة الإنسان بالأرض وتنظمها بحيث تكون الأرض للدولة ومصالح شعبها، وليست للقبائل والمجتمعات بلا أي إنتاج أو جدوى.
:: وما لم تتجاوز علاقة المواطن السوداني بالأرض هذه العلاقة (التقليدية المتخلفة)، فلن تهنأ البلاد بالاستثمار والإنتاج، وكذلك لن تتوقف حروب القبائل حول المراعي.. فالسيد وزير العدل يعلم تماما بأن أقاليم في بلادنا، بحجم دول أوروبية وعربية وإفريقية، مقسمة إلى (حواكير)، ولكل قبيلة (حاكورة)، وبالتأكيد ممنوع الاقتراب من هذه (الحواكير).. نعم ممنوع الاقتراب، لا بالزرع ولا بالرعي ولا حتى بسلطة الدولة التي مفهومها العام الأرض للشعب وليس لقبيلة.
:: وناهيكم عن قبولها للمستثمرين الأجانب، بل لبعض القبائل في بلادنا قناعة بأنها تستضيف قبائل سودانية أخرى في أرضها، أي كأن تلك القبائل المستضافة (أجنبية في بلدها).. يجب تطوير المفاهيم قبل القوانين، بحيث تدخل بلادنا في موسوعة الدولة الحديثة التي يستفيد كل شعبها من كل مواردها، بما فيها أهم الموارد (الأرض).. ولن تنهض بلادنا في ظل ثقافة تمنح للقبائل سلطة وضع اليد على أرض بمساحة (دول)، ثم تعزلها عن أراضي القبائل الأخرى.
:: وعفوا، فالقبيلة لا تعزل أرضها عن أرض القبيلة الأخرى فحسب، بل تعزلها أيضا عن سلطة الدولة وحقها في التخطيط والتوزيع والاستثمار للصالح العام.. وقريبا، سوف تُفاجأ حكومة حمدوك بأن حفر بئر نفط في أدغال الجنوب يستدعي (إذن الناظر)، وزرع حوض برسيم في فيافي الشمال يستدعي (موافقة العمدة)، وتركيب مصنع إسمنت على حافة جبال الشرق يستدعي الدخول إلى قاعات المحاكم مع (أهل قرية).. وهكذا.. أين تنتهي حدود ( ملكية الفرد)، بحيث تبدأ حدود (ملكية الدولة)؟.. فالإجابة هي الحل الجذري.