في الأنباء أن مجلس الوزراء سلم جميع الوزراء استمارات اقرارات ابراء الذمة لملئها ومن ثم ايداعها نيابة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، وتجئ هذه الخطوة انفاذاً لتعهدات رئيس الوزراء حمدوك بالزام وزراء حكومته بابراء ذممهم عقب ادائهم القسم مباشرة، ولكن مع تثميننا لهذه الخطوة والاشادة بها، الا أننا ننبه الى أن هناك آخرين كثر من قيادات الدولة غير الوزراء عليهم أيضاً ابراء ذممهم حسبما عرفهم وحددهم القانون، ويبقى على مجلس الوزراء أن يسلم كل قيادي في أي موقع بالدولة يفرض عليه القانون ابراء ذمته الاستمارة الخاصة بذلك ومتابعة عمليات ملئها وتسليمها للنيابة المختصة كاملة غير منقوصة، مع الحرص على محاسبة من يتقاعس عن ابراء ذمته حتى لو أدى ذلك الى عزله من منصبه، فالمعروف أن العالم كله، من أقصاه إلى أدناه، قد تواضع على أن يضع الحكام وكبار المسؤولين في أي بلد إقراراً بذمتهم المالية بين يدي هيئة يتم تكوينها خصيصاً لهذا الغرض، يسندها قانون يختص بمكافحة ودرء الثراء الحرام والكسب المشبوه وغير المشروع، لا تكاد تجد بلداً خلواً من هذا الإجراء ولو كان مجرد لافتة كما هو الحال طوال العهد البائد..
فمنذ صدور قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه في عام 1989 وتكوين الهيئة المفترض أنها منفذة له، لم يتقدم كثيرون من قيادات العهد البائد ممن عناهم وحددهم بالصفة والوظيفة القانون لتبرئة ذمتهم المالية، كما ظلت الهيئة عاجزة عن فعل أي شيء تجاههم رغم أن القانون يخوّل لها حق مقاضاتهم ومحاكمتهم بجزاءات معلومة نص عليها القانون..ثلاثون عاماً وكثير من كبار المسؤولين من أعلى الدرجات وإلى آخر من حددهم القانون، لم (يتكرموا) بملء الاستمارة التي تم إعدادها لهم لتبرئة ذممهم المالية أمام الله والشعب، غالبيتهم الغالبة تهربوا من كشف ما يملكونه نقداً كان أو منقولاً أو ثابتاً أو أي دخل دوري أو طارئ مع بيان الأسباب والمصادر التي عن طريقها كسبوا ما كسبوا، وكأنما لم يصدر هذا القانون إلا للتعمية والتمويه والكسب الإعلامي، ولم يتم تشكيل الهيئة المختصة بتنفيذه إلا لكي تبقى هيكلاً بلا مضمون وجسداً بلا روح، ربما فقط للقول للعالم الخارجي (انظروا إلى هذه اللافتة)، فنحن أيضاً نحارب بلا هوادة الفساد والكسب الحرام وغير المشروع، ونقاوم بشدة التكسب باسم الوظيفة واستغلال السلطة للتربح، رغم انتشار امارات وإشارات ودلائل الثراء المشبوه وظهورها بادية للعيان، حين كثرت المظان التي تدل عليه مثل العمارات السوامق والمباني الشوامخ والشركات الشواهق والسيارات الفخيمة التي انتشرت في العاصمة وبعض مدن الولايات، دون أن يُعرف عن أصحابها ومالكيها سابق بذل ونشاط في دنيا المال والاستثمارات، بل ناشئة من الشباب أو تجار صغار أو موظفين (على قدر حالهم)، لن تجد مبرراً مهما حاولت واجتهدت لثرائهم المباغت والمفاجئ، غير أنه ثراء مشكوك فيه ومطعون في مصدره وسببه…