صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خطبة الجمعة..

12

ساخر سبيل

الفاتح جبرا

خطبة الجمعة..

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد أيها المسلمون :
يقول الله – تعالى – على لسان إحدى ابنتي شعيب – عليه السلام – لما اقترحت على أبيها أن يتخذ سيدنا موسى – عليه السلام – مسؤولاَ بالأجر: ﴿ يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].
عبادالله :
إن الأمانة من أعظم الركائز التي تقوم عليها الحياة وأعلى أنواع الأمانة، حفظُ الدين، والذودُ من أجل إقامة فرائضه، وحدوده. قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].
وترتقي خطورة الأمانة في الإسلام إلى درجة تكون علامة على الإيمان أو عدم الأيمان. قال نبينا – صلى الله عليه وسلم -: “لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ” صحيح الجامع.
أيها الأحباب :
وهنالك حكومة تتشكل ووزراء يتم إختيارهم لابد أن نذكر أن مقعد الإنسان في الآخرة هو مقعده في الدنيا، هو يصنعه بيده، فمن اتخذ مقعدا في الدنيا ليباهي به، أو يقضي مصالحه به، أو يعزف عن مصالح الناس التي علقت بعنقه، فقد خاب وخسر.
عجباً لمن يتملكه الفرح والحبور وتغشى أصحابه وأهل بيته الغبطة والسرور من أجل مسؤولية تعلق بها أو تعلقت به، ويتيه زهوا بين الأتراب والأصحاب، ويميس فخرا بين الجيران والأقرباء، يذبح الذبائح ، ويقيم الحفلات، وكأنه ظفر بفوز لا يرام، وامتلك غنيمة لا تضام، في وقت عَلَّمنا فيه ديننا أن الأمانة تأتي ولا تؤتى، وأن المسؤولية تبحث عن صاحبها، وليس هو الذي يفتش عنها.
فعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: “دخلت على النبي – صلى الله عليه وسلم – أنا ورجلان من بني عمي. فقال أحد الرجلين: يا رسول الله، أَمِّرْنا على بعض ما وَلاَّ ك الله – عز وجل -. وقال الآخر مثل ذلك. فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حَرَص عليه” متفق عليه.
وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني – أي: ألا تعطيني ولاية أو إمارة -؟ قال: فضرب بيده – صلى الله عليه وسلم – على منكبي ثم قال: “يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه” مسلم.
إن الشخص الأمين يعلم أنه مراقب على عمله، والرقيب هو الله، مسؤول عن وظيفته ومسؤولياته، والسائل هو الله. قال تعالى: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]. وفي الحديث: “كُلُّكم راعٍ، وكُلُكم مسؤولٌ عن رعيَّته” متفق عليه.
يا وزراء الغد :
إن الأمين يعلم أن الغش في الوظيفة يجر عليه ويلات الدنيا والآخرة، في الدنيا يفضحه الله، فيكتشف الناس كذبه، وخيانته، وتزويره، فيعيش بقية عمره ذليلا مهينا، مشارا إليه بأصبع المكر والخيانة. ويوم القيامة يفضحه الله على رؤوس الأشهاد، خزياً وعاراً وشناراً. قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ”.
كما أن الأمين يجعل نفسه طوع يد من استأمنه، الذي ما اعتلى منصبه إلا بسبب ثقته فيه، وحسن ظنه به، فيحرم عليه أن يشق على الناس، أو يتماطل في قضاء مصالحهم، أو يتأخر في مد يد العون إليهم. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]. قال ابن كثير – رحمه الله -: “أي: إذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وهذه صفات المؤمنين”.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفُق به” مسلم.
كما أن الأمين عفيف عن أخذ الرشاوى والهدايا، ينظر إلى ما في يده، ولا يتطاول إلى ما في أيدي الناس، ويقنع بحلال رزقه، ولا يلتفت إلى مال غيره. ومن فعل، فقد صدق عليه قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ليأتيَنَّ على الناس زمان، لا يُبالي المرء بما أخذ المال، أمِنْ حلال أم من حرام” البخاري. ذلك أن “هدايا العمال غلول” – كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – صحيح الجامع. وقال – صلى الله عليه وسلم -:”مَن استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” صحيح سنن أبي داود.
فاحذر يا وزير الغد (ويا كل مسؤول) أن يأتي المظلوم يوم القيامة آخذا بتلابيبك، مطالبا إياك بحقوقه التي ضيعتها، وبحاجاته التي نسيتها، يوم لا يكون المقابل جنيهاً ولا دولار ، ولا ملكا ولا عقارا، إنما هي الحسنات والسيئات. و اللبيب من عرف قدره، وقام بأداء ما عليه .
اللهم يسر أمور مسؤولينا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، واجعلهم فاتحة خير ويمن علينا، اللهم اجعلهم سبيل سرورنا، وصمام أمننا، وطريق ازدهار وتطور ونماء بلادنا إنك على كل ضيء قدير وأقم الصلاة .

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد