جاء في الأخبار أن حزب المؤتمر الوطني قد اختار نائب رئيسه الأسبق البروفسير إبراهيم غندور لقيادته بصفة مؤقتة إلى حين عقد المؤتمرات واختيار قيادة منتخبة للحزب الذي لم يصدر قرار بحظر نشاطه ولا حله ولكن تمت مقاطعته وإزاحته من السلطة بالانقلاب الذي وقع في الحادي عشر من أبريل الماضي. وبغض النظر عن مشروعية وقانونية مصادرة دوره وشركاته، فإن المؤتمر الوطني قد حافظ على تماسكه في أصعب الظروف، ولم يعلن قيادي في الحزب تخليه عنه وانضمامه لأحزاب الثورة بما في ذلك حزب المؤتمر الشعبي الأقرب وجدانياً للوطني ولا يجد المؤتمرجية أنفسهم في دور بعضهم غرباء يد أو لسان
وغندور الذي دفعت به قيادات الحزب في هذه الظروف الصعبة شخصية وفاقية تميل لمبدأ التسويات ويعف لسانه عن الانزلاق في اللغة العنيفة مع الآخر، كانت تجربته السابقة في الحزب محل تقدير ورضا الكثيرين في التوفيق بين الجهاز التنفيذي والسياسي، ولكن مركزة السلطة حينذاك في يد البشير جعلته رجلاً قائداً بلا صلاحيات حقيقية. ومضت تلك الفترة بخيرها وشرها، وعاد الآن غندور لقيادة حزب محظور من النشاط ودوره مغلقة وأملاكه مصادرة وخزانته خاوية من المال ورجال الصف الأول منه إما مشردين في المنافي الخارجية بين مصر وتركيا وإثيوبيا وبريطانيا وتشاد والصين، وإما في غياهب السجون ينتظرون النيابة التي تبحث لهم عن مسوغات لاعتقالهم ومحاكمتهم، وطلاب الإسلاميين بعيدون عن دائرة الفعل لإغلاق الجامعات، كل هذه الظروف تجعل مهمة غندور أشبه بتجربة الشيخ حسن الترابي بعد الانتفاضة ١٩٨٥، وحينها كانت الساحة السياسية تضج بالحركة وتتربص بالإسلاميين القوى العلمانية والطائفية، وتعرض الترابي لحملة شيطنة داخلية وخارجية ومحاولات اغتيال حسي ومعنوي، ولكن الترابي تجاوزها بالصبر على المكاره وعزم الرجال، والنساء وشباب التيار الإسلامي قبل أن تضعفه السلطه وتهزمه طغمة الفاسدين من العسكريين بملابسهم المدنية والمدنيين بملابسهم العسكرية.
التيار الإسلامي اليوم يتعرض لمحنة، أكبر محنة فكرية قبل أن تكون سياسية، وقد وضعت تجربة ثلاثين عاماً من الحكم العسكري في عنق التيار الإسلامي أغلالاً وقيوداً يصعب الخروج منها إلا بمراجعات فكرية شجاعة تحدد بصورة قاطعة دون لبس ولا لغة حمّالة أوجه الموقف الفكري والعقدي من الديمقراطية ونبذ الحكم العسكري والموقف من اتفاقيات جنيف الأربع والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والسلام والانتخابات الحرة والالتزام بميثاق يجمعهم بالآخرين لحماية النظام الديمقراطي والتبرّؤ علناً من الفاسدين والظلمة الذين انتهكوا الحقوق باسم الإسلاميين وأن يدع الإسلاميين كل من أفسد وأثرى على حسابهم وحساب الشعب أن ينال عقابه حتى يتطهر الحزب من الفساد والمفسدين ويقدم تجربة في الالتزام بقيم الحق والعدل والشفافية.
إذا أقدم الحزب على هذه المراجعات الكبيرة، فإنه دون شك سيجد له موضع قدم في الساحة بعد دورتين انتخابيتين على الأقل إذا ما حققت قوى الحرية والتغيير نجاحاً في تجربتها الحالية .
أما إذا فشلت قوى الحرية والتغيير في مهمتها الحالية وتبعثرت أوراقها فإن الموتمر الوطني في فترة قصيرة قد يستعيد عافيته، ويستطيع دخول البرلمان القادم بعدد مقاعد معتبرة بالنظر لرصيد كثير من قيادات الحزب في الولايات.
وأولى المهام التي تنتظر البروفسير غندور ومكتبه الجديد إيقاف مظاهر المناصرة غير المدروسة للرئيس المعتقل، ومحاولة الضغط على المحكمة شعبياً بمواكب هزيلة ومخاطبات تقليدية تنتقص من رصيد الإسلاميين، ولا تضيف لهم شيئاً، فالقضية التي أمام القاضي ليست قضية تستحق المؤازرة ولغة التهديد والوعيد تجاوزها الزمن، ولذلك إعادة ترتيب صف الاسلاميين مقدمة على ما عداها من أولويات.
والمساهمة الإيجابية في دعم الحكومة الانتقالية إن هي أحسنت ومعارضتها بموضوعية إن هي أخطأت أفضل من المعارضة غير الراشدة وتبديد الطاقات سدىً، فهل تسمعني بروفيسور غندور.