:: أغلى ما في بلادنا هم الأوفياء.. فالوفي معدن أصيل لم تزده المرحلة التي تمر بها بلاده إلا (بريقاً).. ومع الشهداء الذين جادوا بأرواحهم، ثم الجرحى الذين ضحوا بدمائهم، ثم السجناء الذين تنازلوا عن حرياتهم، في سبيل ما يؤمنون به من قيم مبادئ، فهناك آخرون يحترقون كالشموع لتضيء سماء بلادهم بالحرية والسلام والعدالة والنهضة.. وعلى سبيل المثال، أعلن أحدهم بالنص: (بعد المدنية تجي أول خمسة عربات ح أغسلهم مجاناً يا جماعة)!
:: نزار، من ثوار أم درمان، مواليد العام 1996، تعلم ولم يجد من الوظائف غير أن يعمل – غسَّال عربات – بمحطة صابرين، بجوار سوق ليبيا بأم درمان.. شاب مكافح، ولم يشغله كفاحه عن قضية بلاده.. لم يجد نزار ما يقدمه لوطنه بمناسبة تحقيق حلم المدنية، غير التبرع بغسل خمس عربات (مجانا).. وفي هذا الموقف، فإن هدية نزار -الغسيل المجاني- لا تُعتبر هدية لأصحاب الخمس عربات، بل هي هدية للوطن.
:: وهكذا حال كل أخيار بلادنا بالداخل والخارج، أي بعد أن تنفسوا الصعداء، تأهبوا لخدمة بلادهم بصدق وإخلاص.. كلهم، كما نزار، بعد أن كان لسان حالهم قبل الثورة: (إن كان ذا وطنا ويمنعني الهواء، لِمَ الوطن؟)، فالنهج الإقصائي المخلوع كان قد جرد أخيار الشعب حتى من مجرد الإحساس بأن هذا الوطن وطنهم.. ولكن أصبح لسان حال الجميع بعد الثورة: (أنا بفخر بيك يا وطني / بالروح أفديك يا وطني).
:: يتبارون في تقديم خدماتهم لوطنهم.. وفي خضم منافسة كل أهل السودان في خدمة الوطن، تصدر مؤسسة محمد إبراهيم -مستر مو- بيانا ترحيبيا بإنشاء مجلس السيادة، ثم تقول: (ويُسعدني أن أرى وجود سيّدتَين في عضوية مجلس السيادة الانتقالي، بما في ذلك ممثلة واحدة عن الأقلية المسيحية القبطية. وآمل أن يشارك مزيدٌ من الشباب والنساء مشاركةً نشطةً في الحكومة الجديدة).
:: والشاهد، قبل الثورة بأشهر، فرح البعض بإعلان الملياردير السوداني مو إبراهيم عن دعمه للأحزاب، وعن تخصيصه مبلغ مليون ونصف جنيه استرليني للأحزاب والقوى والمنظمات المعارضة بالسودان، ولكن لم تكتمل فرحة قوى الثورة.. لقد نفت مؤسسة مو إبراهيم الخبر، وقالت إن المؤسسة تعنى بإرساء قواعد الحكم الرشيد في إفريقيا، ولا تتدخل في شؤون الأحزاب، وليس من مبادئها دعم أحزاب أو حتى أفراد في العمل السياسي.
:: مستر مو لم يدعم سودان ما قبل الثورة بدولار، ربما لشمولية نظام الحكم، وهو موقف يتسق مع أهداف مؤسسته الساعية لترسيخ قواعد الديمقراطية في كل دول افريقيا، بما فيها بلاده.. ولكن مؤسسة مستر مو لم تدعم الثورة أيضا، وهذا موقف غريب لمؤسسة من أهدافها نشر محاربة الأنظمة الفاسدة ونشر ثقافة الديمقراطية في كل شعوب إفريقيا، بمن فيها شعبه.. ونأمل أن يدعم مستر مو سودان ما بعد الثورة بالوفاء قبل المال، أو كما يفعل (نزار).