قبل بداية مناسك الحج وجدت نفسي قد هبطت بالمصعد الخطأ في مطعم الفندق إلى حيث يوجد بوفيه البعثة التركية، جلست في إحدى المناضد، وبعد برهة تلفت يمنة ويسرى فلم أجد أحداً من السودانيين غيري.
كان كل الموجودين من البعثة التركية، نساءً ورجالاً تتجاوز أعمارهم الخمسين عاماً، ورغماً عن ذلك كان الصمت سيد الموقف، لا ضجيج ولا أصوات مرتفعة ولا قهقهات ولا مناداة لبعضهم البعض بأسلوب الكواريك كما نفعل نحن: يا فتوووووووووووح يا عشةةةةةةةةةة ياخوجللللللللي.
كان أفراد البعثة يسيرون إلى البوفيه في طابور منتظم دون أن يتخطى أحدهم دوره، يملأون أطباقهم من البوفيه بمقدار حاجتهم للطعام وليس على طريقة ردم الأطباق، ويجلسون بكل وقار ويأكلون بمنتهى الهدوء، هذا على الرغم من أن البوفيه كان على درجة عالية من الفخامة والأكل الجيد والمتنوع.
سألت الجرسون قائلة: أين بوفيه البعثة السودانية؟ فدلني على موقعه، ووجدته في الاتجاه الآخر من المبنى، ذهبت إلى هناك، وبمجرد أن وطئت قدماي عتبة البوفيه أدركت أنني في (سوق أم دفسو).
ضوضاء وأصوات مرتفعة وهرج، ومنافسة على ملء الأطباق بأكثر من طاقتها الاستيعابية، الاكتظاظ والزحام لم يكن على فراخ بطريقة البيك أو (KFC) أو على قهوة من ستار بوكس، وإنما كان على فول وتفاحة وبيضة وطبيخ رجلة في وجبة الغداء.
لست هنا بصدد الحديث عن أداء بعثة الحج السودانية، لأني لم أكن من ضمن وفدها حتى أحكم على تجربتهم بالنجاح أو الفشل، وإنما بصدد الحديث عن سلوك بعض الحجيج، والذي يعكس صوراً بائسة عن الوطن.
لأول مرة في حياتي أشاهد (boiler) سخان المياه وهو فارغ، وجدت ثلاثة رجال سودانيين بعد أن أفرغوا محتوى المياه الساخنة في (boiler) خاصتهم، توجهوا إلى حيث بولر النساء أحدهم كان يحمله وهو يملأه بطريقة سكب المياه في بيوت العزاء السودانية، البولر كاد يصرخ انا فاااااااضي خلاااص القهوة والشاي ليست شبعاً وإنما كيف ومزاج.
غادرت صالة الطعام وأنا أرقب مهرجان الاحتفاء بالتفاح وعلب الزبادي أبو ريال ومكعبات الزبدة الصغيرة.
صعدت إلى بهو الفندق فوجدت بعض الرجال السودانيين يجلسون على أطقم الجلوس في الاستقبال بطريقة النوم على العناقريب في الخلاء، واحد مكوع، وواحد ممدد نائم، وآخر ينظف أنفه دون استعمال منديل، وآخرون جملة وقطاعي يحكون أصابع أقدامهم، أما بعض النساء فيكتفين بالكثير من التساؤلات والاستفسار وسؤال منكر ونكير، وأخريات تقمصن شخصية الدعاة.
خارج السور
سلوك بعض الحجيج والممارسات السالبة والمظهر غير الحضاري، يحتاج إلى ثورة أخرى في السلوك والممارسة الحياتية تماثل الثورة السياسية.