الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…. أما بعد أيها المسلمون:
رُوي في الصحيحين البخاري ومسلم:
(أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ :« أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ». قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خَطِيبًا، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ :« أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –)
إخوة الإسلام:
في هذا الحديث الشريف عَرْضٌ رائعٌ تَبْرُزُ فيه روعة الإسلام، هذا الدين الذي يحض على العدل والمساواة والحزم في سبيل الانتصار للحق، انظروا بالله عليكم للرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو يضرب أروع الأمثلة في تطبيق مبدأ العدالة والمساواة دون تفريق بين قوي وضعيف، وكبير وصغير، وشريف ووضيع، فالكل أمام الشرع (القانون) سواء، لا يُراعِي الغنيَّ لغناه، ولا يُحَابي الشريفَ لشرفه ومنزلته، فالناس سواسية كأسنان المشط، كما في قوله سبحانه وتعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) « الحجرات: 13».
إن الإسلام (الذي نعرفه) أيها الأحبة يرفض رفضاً باتاً التفريق بين الناس من حيث القبيلة أو الغنى أو الجاه وقد أرسى رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – فعلاً لا قولاً قواعد المساواة وعدم التفرقة بين المواطنين بصورة حاسمة (بيان بالعمل) ليكون للإسلام فضل السّبق في إرساء قواعد الحق والعدل، بدون تمييز أو محاباة، كما قال سبحانه وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، « النساء: 135»،
وقد غضب الرسول – صلى الله عليه وسلم – لهذه الشفاعة التي تتنافى مع قواعد وأساسيات دين الحق الذي جاء به بشيراً ونذيراً حتى أُقْسم بقوله:
(واللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)، وحاشا للسيدة فاطمة أن تسرق، أو تفعل ما يُوجِبُ عليها الحدّ، ولكنه مع ذلك يريد – عليه الصلاة والسلام – أن يبيِّن مع أنها ابنته، فهي أحق أن يتشفع لها لو جازت الشفاعة، ولكنه مَثَلٌ أراد به الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبقي خالداً على مَرِّ الأيام والعصور، مُظْهراً عدالة الإسلام ومؤكداً على ما يعرف اليوم بمبدأ سيادة حكم القانون.
ففي وضوح لا لبس فيه، يبين الحديث أن المبادئ التي يترتب عليها استقرار حياة المجتمع وسـلامته، تتركز في (المساواة أمام القانون) و ترك المحاباة في إقامته بغض النظر عن مكانة الفاعل. والرسول صلى الله عليه وسلم ينكر على من يشفع لمجرم عند القضاء مخاطباً أسامة : ” أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ. .. قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”
أيها الإخوة والأبناء :
إنها لسانحة أن ننبه ولاة الأمر القادمون أنه من متطلبات العملية الإصلاحية لإخراج هذه البلاد من هذه الوهدة التي هي فيها هو إصلاح الجهاز القضائي، حيث لا يمكن تتم عملية الإصلاح دون إصلاح القضاء وذلك بالاعتماد على القضاة الشرفاء الذين لم تلوث أيديهم، فقد رأينا في ذلك العهد القميئ الذي ينتسب زوراً إلى الإسلام كيف أن القضاء قد فقد هيبته بعد أن أصبح مرتعاً لضعاف النفوس والموالين الذين لا يخافون الله ولا رسوله فكم من مجرم (بالثابتة) نال في عهدهم البراءة وكم من بريئ لم يقترف إثماً رمى به إلى غياهب السجون.
أيها الناس :
إن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة) : الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: “الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة”
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وطوبى لمن وجد في صحفيته استغفار كثيرا، وصلاة على الحبيب المختار محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله والصحب الأبرار… وأقم الصلاة