المزاج هو الرقعة الوحيدة الحرام التي لا تدخلها معقولية ولا منطق”.. مصطفى محمود..!
(1)
ارتباك الجمهور أمام “مَشهد مسرحي ما” ومُقابلته للكوميديا التي ينطوي عليها بالصّمت يعني انتفاء الضِّحك كردة فعلٍ عفوية يُترجم ذلك الجمهور من خلالها استيعابه للنُّكتة أو المَوقف الكُوميدي الذي يُقدِّمه المشهد موضوع الكوميديا..! فـالكوميديا – باعتبارها لغزاً إدراكياً يتكئ على مبدأ انعدام المُواءمة – تُعوِّل في نَجَاحها على فَك المُتفرِّج لشفرة المُفارقة التي يَقوم عليها المَشهد، ومن ثَمّ عُثُوره على حَلّ اللغز.. عندها يتحقّق الضحك بصُورته “الفيزيائية” كجُزءٍ من السُّلوك.. وبصُورته “الوجدانية” كعاطفة إنسانية إيجابية.. ودلالته “الاجتماعية” كـشكلٍ من أشكال التّواصُل الإنساني..! من أبلغ ما قيل في تعريف الضحك كردة فعل عفوية تلك اللوحة السريالية التي رسمها له المُؤرِّخ السينمائي السوفيتي (يورنيف) عندما قال: “.. إنّ الضحك يُمكن أن يكون سعيداً أو حزيناً، طيِّباً أو قَاسياً، ذكياً أو أحمق، مُتعالياً أو كسيراً .. انطوائياً أو انبساطياً، مُحتقراً أو مُرتعباً، مهيناً أو مُشجِّعاً، وقحاً أو جباناً.. ودوداً أو عُدوانياً مُلتوياً أو مُباشراً، لَعُوباً أو ساذجاً، رقيقاً أو بذيئاً.. إنه مُتعدِّد المَعاني وبلا معنى.. احتفاليٌّ ومقتضب.. مفضوحٌ ومحيِّر..”.. فالضحك بحسب ذلك التعبير الفني البديع “كائن حيٌّ يمشي على قدمين”.. كائنٌ تخلقه روح “الضَاحك” وتُغَذِّيه طرافة “المضحوك عليه”..!
(2)
الفراق كائنٌ حيٌّ.. له روح، وأنفاس، وروائح.. كائن نزرعه نحن في رِحم العِلاقة فيتخلّق من طَورٍ إلى طورٍ.. نطفة، فـ مضغة فـ علقة.. هو فارسٌ أصيلٌ لا يغزونا بليلٍ ولا يستبيح غفلتنا.. بل ينذرنا بطُبُول حربه.. يحشد جيوشه بما يكفي من الصخب.. يتقدم بمارشاته العسكرية بما يكفي من الجلبة.. يرسل فواتير بضاعته التي اشتريناها طائعين مُختارين.. يدق أبوابنا علناً نهاراً جهاراً..! لذا فهو صنيعتنا وإن تَغابينا.. وعندما يستوي الماء والحجر لا جَدوى من مُواجهة طوفان الخيبة بملاعق المُحاولة.. لا جدوى.. لأنّ الفراق سوف يضع جَسَدَ العلاقة تحت مَقصلته.. ثُمّ يفصل رأسها بكلِّ سرورٍ.. فالحذر.. الحذر من طرقاته الأولى..!
(3)
المُؤرِّخون يقولون عن الصفة التشريحية لجسد التاريخ، إنّ الأحداث هي اللحم، وإنّ الأسباب هي العظم، و- يقولون أيضاً – إنّ (الشغف) هو نخاع التّاريخ الذي لولاه لما اندلعت الأحداث ولما قَامَت الثّورات..! واللغويون يقولون إنّ كلمة شغف مأخوذة من شغاف القلب (قطعة الجلد الرقيقة التي تُلامِس القلب).. منزلة الشغف في الهرم العاطفي أعلى من منزلة الحُب، فلكي تنجح في المُحافظة على شريك العاطفة لا يكفي أن تحبه، بل ينبغي أن تكون شَغُوفاً، مقبلاً عليه.. وإلا لتحوّلت الشراكة إلى جوار ورفقة مُملة، وزمالة خاملة في مُؤسّسة لا تعترف مُفاجأتها القاسية بقانون التقادم أو سن التقاع..!