:
(1)
على المستوى الشخصي، أحمل الكثير من التقدير والاحترام للباشمهندس الطيب مصطفى، ولا أتمنى له إلّا كل خير. وقد كانت نظرتي له غير التي هي الآن، بعد أن عملت معه في صحيفته (السابقة) الصيحة، ووجدت منه كل تعاون وإنصاف واحترام للرأي الآخر، وهذه شهادة نقولها في حق الرجل وهي قد لا تُعجب الكثيرين في هذا التوقيت، ولكن ما لنا أن نكتم شهادة في حق الرجل وفي سعة صدره عندما كنا نعمل معه في صحيفته السابقة، وقد كان الطيب مصطفى يقبل انتقادنا له وانتقاد شخصيات قريبة منه دون تدخل منه او اعتراض، بل كان يشجعنا على ذلك.
ونشهد كذلك أن الرجل تعرض للكثير من الظلم من النظام البائد وقد تسبب ذلك في أن يخرج من (الإنتباهة) أولاً وأن يبيع صحيفته (الصيحة) بعد أن تعرض لحرب شعواء من النظام السابق، وقد كنا نحس بظلم ذوي القربى فيه.
والطيب مصطفى يتعرض لمكايدات كثيرة حتى أجبر على بيع (الصيحة)، مثلما أجبر من قبل على أن يهجر (الإنتباهة).
وللطيب مصطفى (انتقادات) مشهودة للنظام السابق وله عدد من المقالات الملتهبة ضد النظام بعد تفجر ثورة ديسمبر المجيدة.
كل ذلك – لا يمنعنا أن نختلف معه وأن ننتقده، فهو مع الذي قدمه يعتبر جزءاً من النظام ويرجع له الكثير من الأخطاء او (الكوارث) التي وقع فيها النظام ووقع فيها كذلك المجلس العسكري بعد ذلك، خاصة وأن (زفراته) زادت اشتعالاً في الفترة الأخيرة.
نعرف أن الطيب مصطفى صادقاً في دواخله وهو يكتب بقناعاته ولا ينتظر جزاء من ذلك. ونحن بنفس الصدق نجادله الآن فهل يتسع صدره لذلك؟.
(2)
سطر الطيب مصطفى (مرثية) تنضح بالحزن والأسى في رحيل الحاجة هدية محمد الزين والدة الرئيس السابق عمر البشير رحمة الـله عليها.
كتب الطيب مصطفى أمس الأول: (حق للكاتب الصحافي حسين ملاسي أن يقول: (الحاجة هدية أكرم من أن يمشي في جنازتها الانتهازيون والنفعيون والوصوليون وخدام السلطان وعبدة الصولجان)، ولذلك لم يشارك في عزائها إلا الصادقون او المحبون الحقيقيون وقليل جداً من (المجاملين)، فلو عجل الـله برحيلها أربعة أشهر فقط، لبكاها الملايين ممن وصفهم ملاسي بأصحاب (الدموع الصناعية) ولسكبوا العبرات مدراراً ولرأيت الغائبين عن وداعها ومراسم عزائها من قيادات المجلس العسكري الحالي من بين حاملي نعشها).
وأحسب أن ذلك رثاء في (الجوقة) التي كانت تحوم حول الرئيس المخلوع او في النظام البائد كله، ولم يعف عنها الطيب مصطفى حتى أعضاء المجلس العسكري الحالي، وأظن أن اللوم هنا للحركة الإسلامية والاعتراف يبدو واضحاً من تقصير الذين كانوا سوف يكتبون الشعر والنثر في رثاء الحاجة هدية، لو أن النظام لم يسقط، وكانت الصحف سوف تنشر أمن 180 يوماً صفحات العزاء والنعي الأليم للحاجة هدية التي لم ينعها غير جمال الوالي، وكانت الأعمدة الصحيفة سوف تتحول الى (بكاء الخنساء)، وهذا (نفاق) يسأل عنه الحزب الحاكم وليس تيار اليسار او الحركات المسلحة.
(3)
يقول الطيب مصطفى: (لئن شق علينا نحن محبوها وعارفو فضلها، فقد شق على أبنائها وبناتها أكثر تلك المعاملة القاسية من رفاق السلاح الذين كانوا حتى وقت قريب لا يعصون لابنها مجرد إشارة او إيماءة، سيما وأن الرجل منحهم من ثقته الكثير ومنحوه عهداً مغلظاً وثقوه حديثاً مكتوباً للإعلام، وهو يترجل بطلب منهم، أن يحسنوا معاملته ولكن!).
هذا القول لم يوفق فيه الطيب مصطفى لأن البشير قد شرب من نفس الكأس الذي سقى منه غيره، وذلك بتقلبه وغدره بالمقربين منه والأصفياء، فقد أودع البشير بعضهم في السجن وأبعد آخرين من السلطة، ولم يسلم من ذلك شيخه (الترابي) الذي أتى به، ونافع علي نافع وعلي عثمان محمد طه وبكري حسن صالح وصلاح قوش، بل إن تقلبات البشير نالت حتى من خاله الطيب مصطفى نفسه. لذلك كان مصير البشير نفس مصير الذين غدر بهم، ولم يُحسن التعامل معهم، وقد وضح ذلك في إبعاده لصلاح قوش وسجنه لمدة أكثر من (8) أشهر ثم سجن بعده عبد الغفار الشريف الذي استعان به في مرحلة ثم رمى به خلف القضبان بعد ذلك.
ويكتب الطيب بوجع أكبر: (الأدهى والأمر أن يطلب عمر البشير زيارة تطمينية لأمه التي كان يبالغ في برها إذ كان يغشاها أيام كان رئيساً بالصباح والمساء، فيرفض طلبه ثم يطلب أن يزورها بعد أن نقلت الى المستشفى فيرد طلبه ثم يطلب زيارتها وهي في العناية المكثفة فيتجاهل طلبه ثم هي تحتضر فلا يأبه له أحد حتى توفيت وهو يمني نفسه بإلقاء نظرة وداع قبل أن تسلم الروح الى بارئها).
نسي الطيب مصطفى، أن الأيام دول، وأن ما حدث للبشير كان قد حدث لغيره وهو رئيساً للسودان، اذ كان يُمنع أهل (الشهيد) من تشيع ابنهم، وتحرم أم الشهيد وأبوه من إخراج جثمان ابنهما من منزله، كما حدث في تشييع الشهيد محجوب التاج محجوب الذي شيّع من منزل عمته في جبرة بدلاً من منزل والده بالصحافة الحارة 40 بسبب حصار قوات الأمن والمخبارات والدعم السريع لمنزل الشهيد وإغراقه بالبمبان..وكلنا شهدنا ما حصل لأحد المعزين في الصحافة عندما دهسه (تاتشر) بسبب مشاركته في واجب العزاء.
وشهدنا بأم أعيننا الكيفية التي يتم بها تفريق المشيعين للشهداء في المقابر.
(4)
ويكتب الطيب : (سعدت الأسرة بخبر أنه سيسمح لابنها عمر بالصلاة عليها في بيت ابنها المهندس علي حسن وكان الجميع يظن، بل يعتقد أنه لن يحرم مما درجت عليه التقاليد السودانية التي تلزم الابن بوضع جثمان أمه على قبرها، ولكن! فقد حرم من مواراة أمه الثرى في خروج قاس على ذلك التقليد الراسخ في الأعراف السودانية وأخذت من منزل شقيقه علي، حيث ألقى عليها نظرة الوداع وصلى عليها، ثم أخذ الى سجن كوبر مباشرة بدون أن يشهد مراسم دفنها والدعاء لها في مقابر حلة حمد).
ألّا يعلم الطيب مصطفى أن النظام الذي كأن يرأسه البشير كانت أسر الشهداء يستلمون جثث أبنائهم من (المشارِحُ) بعد أن تم قتلهم وألقى ببعضهم في النيل وبعضهم في الطرقات.
ألّا يعلم الطيب مصطفى أن هناك عدداً كبيراً من المفقودين، لا يدري أهلهم عنهم شيئاً حتى الآن.
لقد حدثت (إبادات) في دارفور وتمت (تصفية) ضباط 28 رمضان في الشهر الكريم في عهد البشير مع ذلك يسأل الطيب مصطفى أن يقوم البشير بوضع جثمان أمه على قبرها!!.
(5)
لضيق المساحة نكتب غداً إن شاء الـله عن اعتراض الطيب مصطفى على اعتقال أمين حسن عمر.
أما الشعار الذي استنكره الطيب مصطفى وكان يردده الثوّار ويرفعونه وهم يهتفون (الدم قصاد الدم..ما بنقبل الدية)، فهو إعمال للقصاص «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ»)، وهو لا يقارن بالشعار الذي كان يرفعه الإسلاميون (فلترق كل الدماء) وكان يتغنى به التلفزيون القومي صباح مساء عندما كان الطيب مصطفى مديراً له.