(1)
كنا نتمنى أن تجُب الثورة السودانية كل الأجسام السياسية الموجودة في الساحة، وأن يسع (الشمل) الجميع، لكن يبدو ان ذلك الامر في الوقت الحالي من الصعوبة بمكان.
هذه الثورة لا تتسع لكل (احلامنا)!!.
بعض المعادلات لا تتسق مع بعضها البعض… وان كانت الاماني تذهب لجمعها في معادلة واحدة.
لهذا نقول – الثورة السودانية يجب ألا توقفها العواقب… مثل هذه (الخزعبلات) لا تقفوا عندها كثيراً.
هذه الثورة هي صنع (الشعب) السوداني، لم يكن للاحزاب السياسية او الحركات المسلحة أي دور فيها، إلّا بعد ان نضجت ووصلت الى مرمى اهدافها.
هؤلاء اتوا للتهنئة فوجدوا انفسهم شركاء.
كل شهداء الثورة لن تجد فيهم قيادياً او ناشطاً واحداً من الاحزاب السياسية والحركات المسلحة.
كلهم اكتفوا بالتنظير والاختفاء، بما في ذلك تجمع المهنيين السودانيين الذي لم نعرف له قيادة إلّا بعد سقوط النظام. كان تجمع المهنيين لا يقدر حتى أن يعقد مؤتمراً صحفياً ، وكانت حتى قياداته خارج البلد تتستر وتختفي. حموا مصالحهم… وقدموا صدور الشباب ورؤوسهم للرصاص.. ليأتوا من بعد ذلك ويتاجروا فيها.
لذلك ليس لحزب سوداني واحد فضل على هذه الثورة – بل كان فضل الثورة على الجميع ، بما في ذلك اللجنة الامنية التي كانت في النظام السابق.
خيرات هذه الثورة وسماحتها شملت الجميع.
الدور الذي يلعبه الصادق المهدي والتوم هجو وجبريل ابراهيم وغيرهم من القيادات السياسية لا يختلف كثيراً عن الدور الذي يلعبه علي الحاج والشيخ عبدالحي يوسف والدكتور محمد حامد الجزولي.
حتى دور الحزب الشيوعي السوداني في كثير من القضايا كان خلافياً، في الوقت الذي كان يقدم فيه الشعب السوداني الغالي والنفيس من اجل الثورة التي لم يبخل عليها بشيء.
كل ما قدموه للثورة هو (خلافاتهم)… (صراعاتهم)… وشيء من شعارات السلام والحرية وبعض (اللايفات) و (البوستات) على مواقع التواصل الاجتماعي.
(2)
تركة النظام السابق ومخلفاته، لم تكن فقط في القوات المسلحة او في المجلس العسكري ولجنته السياسية التي تمت الاطاحة بها.
مخلفات النظام السابق وتبعاته كانت في كل مؤسسات الدولة – ولا يخلو من ذلك حتى المؤسسات الاعلامية ، وليس هناك دليل اوضح من تلفزيون السودان القومي.
النظام السابق الى جانب تلك الاجسام الثقيلة التي خلفها بعد سقوطه، خلف لنا ايضاً (الحركات المسلحة).
الحركات المسلحة هي اجسام افرزها النظام السابق، اما بصراع داخلي في الحركة الاسلامية، او لحسابات اخرى للنظام رأت ان تتاجر بقضايا المهمشين وتنتفع بها.
هؤلاء القادة الذي يتفاوضون الآن في اثيوبيا يعيشون في النعيم نفسه.. من الصعب ان يدخلوا في اتفاق يحرمهم من كل تلك النعم التي هم فيها الآن ، وهم يتنقلون بالجوازات الاجنبية بين العواصم الاوروبية.
المتضرر من ذلك الخلاف ابناء السودان وابناء دارفور الذين يدفعون ثمن تلك الصراعات من قوت عيالهم ومن دماء ابنائهم ومستقبل اطفالهم.
إذا رأيت قادة تلك الحركات المسلحة سوف تجدهم كانوا اما شركاء في وقت ما مع النظام السابق.. واما (ابناء) له، خرجوا من صلب الحركة الاسلامية نفسها. يجب تجاوز كل من يقف (عقبة) امام هذه الثورة.
تلك الثورة اتت بالسلمية وجاءت من اجل الحرية والسلام العدالة – لم يكن للحركات المسلحة أي دور فيها …كما لم يكن للاحزاب السودانية دور غير انهم يريدون ان يتكسبوا من اجر المناولة او دعونا من اجر المشاهدة.
(3)
الاحزاب السودانية والحركات المسلحة طوال الـ(30) سنة الماضية كانت تارة (تفاوض) في النظام وتارة (تشارك) معه، وتارة (تدخل) معه في حروبات وصدامات واشتباكات دامية.
وفي كل هذه المراحل لم تنجح تلك المكونات السياسية المختلفة من اقتلاع النظام او اقتلاع حتى حقه الذي كانت تفاوض او تحارب من اجله.
هذه الاجسام (احزاب وحركات) خلقت فقط لكي تقوم بهذا الدور ..دور (الضحية).
وهم يعرفون ان مكاسبهم وهم (ضحايا) اعلى واكبر كثيراً من مكاسبهم وهم شركاء في الثورة او السلطة او جزء منها.
هؤلاء لا يعرفون غير ان يقوموا بدور غير ان يكونوا (الضحايا).. هجو وعقار وعرمان والحلو وجبريل.. هؤلاء افسدتهم (فنادق) التفاوض وفصلهم نعيمها من هموم الناس… من الدماء التي سالت… ومن الابرياء الذين سقطوا قبل الثورة وبعدها.
لا يهمهم من ذلك اكثر من ان ترتفع (عنقرتهم) وان كانت على رؤوس الجثث والضحايا.
(4)
الشيء الذي نقوله الآن لكل الاجسام السياسية الموجودة في الساحة الآن بما في ذلك (المجلس العسكري) – أنتم لا تملكون شرف التفاوض باسم هذا الشعب.
أنتم تتفاوضون من اجل مكاسبكم الخاصة.
الثورة لم تكن مجرد (كراسي) و (مناصب).
الثورة (برنامج). الثورة (حياة).
الثورة (أسلوب).
ألا تستفيدوا من الدروس؟ … ألم تتعلموا شيئاً من هذا الشعب الصامد؟.
الشعب الذي لن ينكسر.. ولن يتراجع.
الشعب القادر على حماية مكاسب الثورة … ومصالح (الوطن)، لا مصالح الاشخاص والاحزاب.
لقد اتفقنا جميعاً ان تكون الحكومة الانتقالية بدون أحزاب.. بدون محاصصة، فلماذا تريدون ان تحشدوها بالحركات المسلحة في مجلس السيادة وفي مجلس الوزراء .. ولا يسلم من ذلك حتى المجلس التشريعي. الشعب طالب بحكومة (مدنية) وليس حكومة (حركات مسلحة)… رفضناها (مملحة) وهي (عسكرية) ،هل نقبلها (حافة) وهي (حركات مسلحة)!!.