حديث المدينة
عثمان ميرغني
الحمـــد لله، (الجماعة عَقَدوا)!!..
تنفَّس الشعب السوداني الصعداء صباح أمس، وهو يرى قيادات قوى الحرية والتغيير يبرمون أوَّل عقد مكتوب مع المجلس العسكري.. الاتفاق السياسي.. وفي انتظار فرحة (الزفاف) الكبرى عندما يتفق الطرفان على الإعلان الدستوري.. الذي نتمنى أن يكون في أول جلسة مباحثات يوم الجمعة..
أهمية هذه الخطوة، أنها تفتح الباب أمام سريان الدم في عروق الدولة السودانية، فالفترة الانتقالية هي في حد ذاتها وضعٌ (مؤقت)، خصمًا على مستقبل البلاد، فكيف إذا أُضيف إليها مزيدٌ من التأخير في إجراءات تشكيل السلطة الانتقالية.. “حشْفًا وسوء كيلة”!..
من الحكمة أن تمضي قوى الحرية والتغيير قُدما إلى الأمام بالتوقيع على الإعلان الدستوري مهما كانت الملاحظات والهواجس، لأن المِحَكَّ (الدستوري) الحقيقي هو في المجلس التشريعي.. هنا يُصنَع القانون ويعدَّل، فكل الملاحظات يمكن تداركها بعد تكوين مستويات الحكم الثلاثة.
إذا وقَّع الطرفان الإعلانَ الدستوري فستكون المرحلة التالية، تسمية شاغلي المناصب الدستورية وهي الاختبار الحقيقي الذي ينتظرهما.. خاصة تسمية (رئيس الوزراء)، ثم الوزراء وأعضاء المجلس السيادي من المدنيين.. فمهما قيل من مواصفات مثل (كفاءات مستقلة) يظل في أعماق التجربة السودانية أن مثل هذه القسمة تحمل جينات (سياسية) يُعبَّر عنها في محاصصة غير معلنة.. الشعب السوداني الذي أنجز هذه الثورة المجيدة لا ينتظر الجائزة أن تكون مجرد تكوين هياكل السلطة الانتقالية، لا، فالمطلوب بناء (دولة السودان الحديثة)..وهي غايةٌ لم نبدأ بعدُ السيرَ في طريقها.. لا زلنا في مرحلة (الإحماء) بغرفة اللاعبين..
كتبت هنا كثيرا وقلت أن من مصلحة الوطن أن نفصل أقدار السياسة من مصير الدولة.. فهناك هياكل لا تحتاج ولا يجب أن تنتظر تكوين السلطات السيادية أو السياسية، ويجب أن تباشر عملها فورا كسبًا للعمر الوطني.. مثل التخطيط الاستراتيجي.. هذا عمل من صميم اختصاص الخبراء والاستراتيجين الذين لا يجب أن ينغمسوا في يوميات السياسة والعمل التنفيذي.. لماذا نؤجل ترسيم مستقبلنا في انتظار قسمة (الكيكة) السياسية؟..
من الحكمة أن نجعل ما للدولة للدولة.. وما للسياسة للسياسة..