وقطار الاتفاق بين قوى الحرية والمجلس العسكري يكاد يصل إلى محطته الأخيرة، فاني أرشِّح المناضل عمر الدقير لتولي رئاسة الوزارة وذلك لعدة أسباب سأذكرها لاحقا وكلِّي أمل أن تتوافق عليه جميع القوى السياسية..
ولكن دعوني أولا أنصح قوى الحرية التي انخرطت منذ أشهر في التفاوض مع المجلس العسكري حول الفترة الانتقالية، ألا تجعل من بعض القضايا -رغم أهميتها- عقبة في إنشاء مؤسَّسات الدولة خاصة عقب تكوين مجلس السيادة، وأن تكون أكثر مرونة تجاه ما رُشِّح من خلافات حول اختصاصاته وما ذُكر حول موضوع الحصانات ثم ما يضعه البعض من شروط يسبق التوقيع على الاتفاق النهائي.. ففي تقديري أن قضية الحصانات يجب ألا تقف عقبة، وكل تلك المطلوبات يمكن أن تتحقق لاحقا عندما تتسلم الحكومة مهامها ويتكوَّن البرلمان.. لقد كان لتأخر الاتفاق بين الطرفين أن استعادت قوى الثورة المضادة بعض عنفوانها بعد أن تفاجأت بالثورة والتقطت أنفاسها لدرجة أنها فكرت في الانقلاب على الثورة والنظام الديمقراطي مستغلة الـ”ربكة” التي حدثت والخلاف بين الطرفين وذلك بسبب التأخر في تكوين مؤسسات الحكم وكان الأوفق لقوى الحرية أن تتسلم مهام الحكومة المتفق عليها لتتمكن من إدارة مؤسسات الدولة بالصورة المطلوبة والكفاءة اللازمة وتحاسب كل مَن أفسد وأجرم بالقانون، حتى تستعيد كل الأموال المطلوبة عبر الإنتربول، فهي مبالغ ضخمة يمكن أن تساعد في تقوية اقتصادنا حيث أن استعادة تلك الأموال لن يحدث إلا بحكم قضائي..
قلت أني أرشح الأخ عمر الدقير لرئاسة الحكومة المدنية لعدة أسباب رغم أني لم ألتقِه إلا لماما وفي بعض المناسبات طيلة السنوات السابقة حيث أني أسبقه بسنوات عديدة في الجامعة حيث تخرجت العام 1972 في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم، وكان آخر لقائي معه حين زرته وبرفقة ابني ماهر أبو الجوخ، في منزله قبل أشهر من الثورة وذلك عقب خروجه من المعتقل وتبادلت معه بعض الآراء حول الحراك السياسي واتفقنا على أن نظام الإنقاذ على وشك السقوط.. وجدت في الأخ الدقير شخصية جاذبة ومعتدلة تجبرك على احترامه خاصة حديثه قبل يومين في أحد الندوات تشبه شخصية الزعيم الأفريقي مانديلا، فقد بدا لي الدقير شخصا يتمتع بعدم التطرف حيث صرح قبل أسابيع أنها (فترة انتقالية وليست انتقامية)، ثم قال قبل يومين أنها فترة يجب ألا تحمل إقصاءً لأحد إلا من كان مشاركا في وزراة الإنقاذ الأخيرة أو أجرم وولغ في الدماء أو أفسد وأكل مال الشعب، وقال إن الفترة الانتقالية هي فترة مصالحة وطنية وهذا عين ما فعله الزعيم مانديلا الأمر الذي جعل دولة جنوب إفريقيا تصبح من أقوى دول إفريقيا بعد أن سلِمت من الفوضى التي كان يمكن أن تحدث لولا حكمة مانديلا وزعماء جنوب إفريقا بمؤتمر الكوديسا للمصارحة والمصالحة، وهذا عين ما نحتاجه في بلادنا، ولعل أنسب شخصية لتولي دفة الحكم هو الأخ عمر الدقير الذي يمثل الثورة بحق، سيما وأن أهم مطلب للثوار أن يتسلم الشباب مهام المرحلة القادمة والدقير خير من يمثِّلهم..