ليست هناك مشكلة في أن تصوِّب أية جهة نقدها مهما كان حاداً على ما تم التوصل إليه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، طالما أنه ليس بالإمكان أن يخاطب الاتفاق كل القضايا في لحظة واحدة، فمن الاستحالة أن يرضي الاتفاق كل الأطراف، وليس بالإمكان أن يرضي (200) حزب وحركة مسلحة لكل منها أجندته ورؤيته وطموحه الخاص الذي يختلف عن الآخرين، ولكن بكل تأكيد هناك منطقة وسطى من الممكن أن يلتقي فيها الجميع، وأعتقد أن ما تم التوصل إليه يمثل هذه المنطقة الوسطى.
يجب أن يكون واضحاً في أذهان حُراس الاتفاق وضامنيه أن هناك مَنْ لن تُرضيهم الاتفاقية وإن جاءت مبرأة عن كل نقص، فمِنْ هؤلاء مَنْ تضررت مصالحه الخاصة، ومنهم من ضاع مجده الذي بناه في غمرة العَتْمة التي عاشتها الدولة وهي في غيبوبة كاملة، ومنهم من يخشى القصاص والعقاب وجرجرة المحاكم والمساءلات، ومنهم من وزنه في حُكم (الريشة)، يملك لساناً فصيحاً مبيناً، وصوتاً عالياً، ولا يملك ثقلاً جماهيرياً يؤهله لخوض المنافسات الشريفة والنزيهة، ومنهم من يجيد فنون الانتهازية والتسلق والتملق، ومنهم من يملك بندقية فقط، فهؤلاء جميعاً لن يرضوا عن الاتفاق، ولكن بما أنهم جزء من الشعب السوداني وطالما أن الحرية لهم ولسواهم وأن حق النقد مكفول، فلهم الحق في أن يقولوا ما يريدون، ولحُراس الاتفاق (طرفا الاتفاق والشعب السوداني) أن يعوا تلك الأجندة الذاتية ويسدوا كل الثغرات التي يمكن أن ينفذوا من خلالها، وأول هذه الثغرات هو اختلاف طرفي الاتفاق وذهاب ريحهم، والتشاكس والمماحكات.
في رأيي أن التفاف الشارع السوداني حول الاتفاق ودعمه يمثل حراسته وخط دفاعه الأول، وبذلك يكون الشعب السوداني بإرادته الوطنية وبوسائله السلمية التي خبرتها كل الدنيا هو الضامن الأول للاتفاق، ومن ثم التعاون الكامل بين طرفي الاتفاقية (المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير).
أعجبني تصريح لعضو قوى الحرية والتغيير الشاب المحترم خالد عمر قال فيه أن الانتقال للدولة المدنية لا يعني الانتقام بل يعني المصالحة الوطنية، وأن قوى الحرية والتغيير لا تستهدف إقصاء أية قوى سياسية.
في رأيي أن أية محاولة للانتقام والتشفي في غمرة الشعور بالانتصار على أي خصم هي بداية السقوط في الهاوية، فما سما بشر في الدنيا إلا بالتسامح والترفع عن الانتقام، وقطعاً هذا لا يعني تجاوز الجرائم التي ارتكبت خلال الفترة الماضية، فليكن القانون والمحاكمات العادلة التي يُكفل فيها حق الدفاع عن المتهم هي الفيصل.
فلنجعل ثقافة إعلاء شأن القانون ثقافةً شعبيةً عامةً، لنأخذ حقوقنا بالقانون، ونعيش ونحيا بالقانون، ونموت أيضاً بالقانون، ونثور ونرفض ونعترض بالقانون، ونُرجع أي خلاف إلى حكم القانون، فإذا فعلنا ذلك فقد وضعنا أول لبنة في دولة القانون والحكم الرشيد التي يتساوى فيها كل الشعب تحت مظلة القانون، ويُعلى فيها شأن الحريات وكرامة الإنسان.. الـلهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الـله، وثق أنه يراك في كل حين.