بلا حدود
هنادي الصديق
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى..
التوقف عن الكتابة في بعض الأحيان أفضل من الكتابة نفسها، والغياب رغم قساوته إلا أنه يتضاءل أمام الإحساس بانك تمارس التضليل على عقول القراء الذين يؤمنون بفكرك ومبادئك وعقلك وقلمك. وربما يثير التوقف عن الكتابة تساؤلات عدة، فهناك من يعزوها للضجر والملل وهناك من يعتقد انها نتيجة إحساس الكاتب بالملل او الشلل الفكري او نضوب معينه.
ولكن الشئ المؤكد أن التوقف عن الكتابة غيبوبة للروح والعقل والجسد، قد نستسلم لها بشكل مؤقت وندخل في موت ذهني سريري، أو كما قالت أمل القاسم ، نفقد فيه اتصالنا بالعالم المحيط بنا، وقد نستسلم لهذا الموت استسلاماً كاملاً، وننسحب بكل هدوء عن كل ما حولنا ومن حولنا، أو نقاوم هذه الغيبوبة ونستيقظ منها ولو بعد حين ونستعيد روحنا مرة ثانية، رغبة منا في البقاء والحياة والاستمرارية، لأننا نستحق أن نعيش ونحيا الحياة رغم كل ما فيها من مرارة.
وقد يتوقف الكاتب عن الكتابة حين يصاب بحالة إجهاض لإنسانيته، تتراكم عليه الآلام والأحزان، تلجمه الأحداث القاتلة، يقف عند حافة الوجع كمتفرج.
ولكن تبقى العودة إلى الكتابة مثل العودة للحياة، هي فرصة ثانية يحق علينا إقتناصها بحب وإصرار لنعيشها أفضل مما سبق، ونقدم أفضل وأجمل ما لدينا لكل من حولنا، حتى وإن إختلف معنا البعض. فالقلم أمانة على أرواح الآخرين وعلى إنسانيتهم.
أعود لأعزائي القراء بعد توقف 44 يوما عن الكتابة التي كانت زادي في رحلة الحياة بحلوها ومرها، كأطول فترة غياب منذ إمساكي بالقلم وإيماني به، فآخر حروف سطرتها عبر زاوية (بلا حدود) كانت صبيحة 3 يونيو المشؤوم.
أعود اليوم قافزة على كل الأحداث التي شهدتها بلادي، للحديث عن الإتفاق الذي تم الاربعاء الماضي بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي الدموي، وهو الإتفاق الذي أفرح البعض وأغضب البعض الآخر.
الثورة التي أذهلت العالم وشغلته لأشهر، تستحق أن نحتفي بها بشكل أفضل وشعبنا الذي نال لقب (أجمل وأصدق ثائر) يستحق أن يعيش حرا كريما أبيَا، نعم كانت مطالبنا التنحي التام المجلس العسكري ومليشيات نائبه المرعبة، أردنا أن نتنسم حكومة مدنية كاملة الدسم خالية من أي إضافات عسكرية يمكن ان تعكر المزاج العام، ولكن واقع الحال قال غير ذلك، فالمجلس العسكري ثمل بدماء الشهداء ووالغ في التجاوزات لدرجة تجعله كالمصاب بالسعار، لن يقبل التنازل بسهولة أو تسليم رقبته لحبل المشنقة رغم حوجته (للقشة) التي تنقذه من الورطة التي أوجد نفسه فيها، وبالطبع القشة هي الوسطاء الذين شكلوا ضغوطا قوية على (قوى إعلان الحرية والتغيير) للقبول بالعودة للطاولة مجددا رغم الرفض الصريح خاصة بعد مليونية 30 يونيو المجيدة.
والمصاب بالسعار لا كابح لسعاره إلا بموته، وموت هذا المجلس ستترتب عليه فوضى عارمة تقودها فلول واجهزة النظام السابق التي ظلت ممسكة بخيوط اللعبة. قوى الحرية والتغيير وهي تعود لطاولة التفاوض مجبرة كان لسان حالها يقول (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وهو ما قد حدث، هرج ومرج هنا، وفرح وزغاريد هناك، شخصيا لست من أنصار التواجد مع مجلس الدماء في طاولة واحدة وحكومة واحدة، وهذا رأيي منذ بداية الثورة، ولكنها السياسة التي تفرض علينا القبول بما لا تستسيغه ذائقتنا ولا تقبله آدميتنا، وبما اننا محكومين بمجتمع دولي وإقليمي كان لابد من الوصول لإتفاق افضل من الذي سبق وقبلنا به قبل مجزرة 29 رمضان، ولكن ما دار خلف الكواليس لا يعلمه إلا هم، وهم مصدر ثقتنا وإحترامنا بكل تأكيد. الحرية والتغيير بهذا الاتفاق اثبتت انها ليست قوى شغب سياسي وفوضى كما يحاول المجلس وصمها. ولكن يبقى السؤال ملحَا، هل كل ما تم الإتفاق عليه هو ذات ما تقبلناه على مضض وبشرتنا به قوى الحرية والتغيير في المنصة الرئيسية عشية إحدى ليالي رمضان داخل ساحة الإعتصام أم ان مستجدات طرأت وقلبت الطاولة على رؤوس الثوار وممثليهم؟
يانفس فجر القصائد يا بلادي
دا القطع قلب الروادي
باللواج الجاي وغادي
دا ما هو صوتك
دي البترقش نادي فوق صدر الجرائد
دي ما صورتك
أنت ياحضن الصحارى
شفع العرب الفتارى
البفنو الشايلة أيدن ويجروا ساكين القطارة
لا سراب الصحراء موية
لا حجار سلوم موائد