(1)
بالأمس قلنا إنّ جماعة الحُرية والتّغيير وافقت على المُبادرة الإثيوبية مع تَحفُّظات لم تُعلن بصُورةٍ واسعةٍ, العبد لله شخصياً سمعها من أبو فواز في قناة سودانية 24 وهي تحفظات أي واحد منها كفيلٌ برمي المُبادرة في (بحردار)، ولكن “قحت” أبرزت وجه القُبُول لأسبابٍ لوجستية ذكرناها بالأمس، كما أنّ المجلس العسكري الانتقالي رفض المُبادرة الإثيوبية لأسبابٍ إجرائيةٍ مُعلنةٍ وأسبابٍ موضوعيةٍ غير مُعلنةٍ ولكنها مفهومة.. لكن دعونا نتخيّل مُجرّد خيال أنّ الطرفين قد قبلا المُبادرة الإثيوبية فَمَا الذي كان سَيحدث؟ هَل كَانت الكَاميرات سَوف تَعكس لنا دكتور الأصم بكاروهاته والمهندس صديق يوسف بجلابيته ومدني عباس ببدلته وهم يَدخلون قاعة التفاوُض في القصر الجمهوري، ويتجاذبون أطراف الحديث مع الفريق كباشي والفريق العطا، والابتسامات تعلو وجوه الجميع، وبعد ذلك يتم التّوقيع ثُمّ الإعلان لتعم البهجة كل أنحاء السودان؟
(2)
الواقع السِّياسي يقول باستحالة السيناريو أعلاه، لأنّ الذي بين الطرفين الآن حاجزٌ نَفسيٌّ عَريضٌ، فقوى الحرية تقول إنّها واحتراماً لدم شُهداء ليلة التاسع والعشرين من رمضان المُوافق الثالث من يونيو، فإنّها لن تجلس لهذا المجلس (الانقلابي) إلا بعد تكوين لجنة تقصي دوليّة وتحديد الجُناة ومُعاقبتهم، بينما المجلس لم يَتَحَرّك قيد أنملةٍ في هذا الاتجاه، طبعاً هُناك شروطٌ أُخرى مثل عودة الإنترنت وإخراج الدعم السريع من العاصمة.. لكن في تَقديري أنّ هذه نقاط طفيفة يُمكن تجاوُزها مُقارنةً بعملية فض الاعتصام.
يبقى السُّؤال، كيف كَانَ سَيكون العَمل بالمُوافقَـة على المُبادرة الإثيوبية والطرفان في هذه الحالة من التّباعُد؟ هل يستمر التّفاوُض غير المُباشر كما دَعَت “قحت”؟ وهذا يعني أن تقوم الوساطة الإثيوبية مُمثلةً في السفير إسماعيل درير وربما يَصطحب معه البروفيسور محمد الحسن مبعوث الاتحاد الأفريقي بجولات مكوكية بين السفرة الإثيوبية، حيث تُوجد قيادة “قحت”، والقصر الجمهوري حيث المجلس العسكري، ثُمّ يُعلن إسماعيل الاتّفاق النهائي وتَتَشَكّل المجالس وتُعلن الحكومة وتؤدي القَسَم وتسير عَلَى بَركة الله.. هل حكومة بهذا السيناريو يُمكن أن تُحقّق المهام المُنوطة بها؟
(3)
طيِّب يا جماعة الخير مَا هُو الحَل؟ الذي أمام ناظرينا الآن أنّ الطرفين سوف يَمضيان في الخُطة “ب” لكلٍّ منهما، فالمجلس العسكري قد يكون حكومة تصريف أعمال من جانبٍ واحدٍ ويُقلِّص الفترة الانتقالية، ويذهب بالبلاد إلى الانتخابات.. أمّا “قحت” فسوف تُواصل تَسخين الشّارع بالتّظاهرات والوقفات الاحتجاجية والإضرابات والعصيان والذي منه لتبقى شُوكة حُوت في حَلق الحكومة المُتوقّعة، ومن جانبها الحكومة في جانبها العسكري، سَوف تُواصل التّصدِّي لهذا بالقوة التي قد تكون مُفرطَـة.. وهذا يعني المزيد من إراقَـة الدِّمـاء وقد يصل الأمر الانفراط الكامل أو قد يظهر انقلابٌ ثالثٌ ورابعٌ أكثر دَمَويةً..! فيا جماعة الخير، الشغلانة دي مَاشّة في مُنحدرٍ خَطيرٍ!! فكما يقول المثل السوداني (النئ للنار) فالذي يجري الآن يحتاج إلى إعادة نظر أنّنا في حَاجةٍ لمَنَصّات تأسيس جديدة، المطلوب من الجميع مُراجعة مَواقفهم، ولَعَلّ على رأس هؤلاء المجلس العسكري الانتقالي.. ثم جماعة الحُرية والتّغيير (ترتيب بتراخٍ) حتى ولو دعا الأمر لاصطفافٍ جديدٍ، فهذه النسخة من الاصطفافات التي أمام ناظرينا سوف تَغَطِّس حَجر البلد وتَوَدِّيها في سِتين دَاهية!! الشرح الكثير يفسد المعنى.. اللهم أحفظ السُّـودان وأهل السُّـودان.