إذا أُجري استطلاع عشوائي في الشارع السوداني لمعرفة كيف ومتى بدأ الغضب الشعبي يتمدد وصولاً لانفجار ثورة ديسمبر، فاستطيع الجزم النتيجة سوف تكون أن الغالبية العظمى سوف تتفق على أن إعلان البشير نيته الترشح لانتخابات 2020 كان شرارة الغضب الأولى.
إعلان المخلوع نيته خوض انتخابات 2020 رغم أن دستور البلاد لا يسمح ولا دستور الحزب فجَّر الوضع على نحو تعثرت لملمته حتى انتهى الأمر إلى خلعه قبل موعد الانتخابات المضروب.
فلو أن حزب المؤتمر الوطني قرأ الشارع بطريقة سليمة لكان الوضع مختلفاً ووضع الحزب نفسه مختلف، لكنه الغرور الذي ظل ملازماً للحالة السياسية للحزب.
هذا الحزب استحق بجدارة أفضل جوائز العالم في تبديد فرص الإصلاح، وليس المقصود فقط فرصة انتخابات 2020 والتي كان بالإمكان أمام الحزب أن يتخذ فيها قرارات حاسمة ويمنع البشير من الترشح ويقود عملية وطنية شاملة، لكن تبديد الفرص بدأ باكراً ومنذ قبل انفصال جنوب السودان والانهيار الاقتصادي والسياسي الذي أعقبه.
كتبت السفيرة سناء حمد مقالاً تحث فيه إخواتها وإخوانها في التنظيم على تقبل الهزيمة ومواجهة “الأخطاء القاتلة” التي أدت لانتفاض الشعب ضد الإنقاذ وحثتهم على الإسهام في بناء الوطن ومنع الانزلاق نحو الفوضى والحفاظ على مؤسسات الدولة حتى لو كان الثمن إخراج كل المنتمين للتيار الإسلامي.
وأظن أن مقال سناء هو أول ما كُتب بعد خلع البشير من قبل المنتمين للتيار الإسلامي الحاكم. لا أدري كيف كانت ردود فعل الإسلاميين على مقال سناء، لكن ما هو مؤكد أن هجوماً عنيفاً طالها لأن مثل هذه الكتابات تُصنف “عقائدياً” في باب “تثبيط الهمم”.
ولو أن مثل هذه النصائح كانت محل اعتبار لما وصل الوضع إلى ما وصل إليه.
الحزب أو التيار الذي يصل الحكم عبر آلية القوة والدم ويتوهم منسوبوه أن الله أتى بهم لإنقاذ الناس لن يستمع إلى مثل هذه النصائح وإن تظاهر بمظاهر “الشورى” والمؤسسية الحزبية، فقد كانت هناك أصوات داخل الحزب تنادي بالإصلاح لكنها سرعان ما تخفت لصالح الاستبداد.
الحزب الذي طوّع كل مؤسسات الدولة لخدمته انتهى به الأمر إلى الاستكانة لاستبداد فرد واحد، وفرد فشل في إدارة الدولة عطفاً على أنه ملاحق جنائياً حبس معه البلاد ووحّد مصيرها مع مصيره، وها هو ينهي مصير الحزب مع مصيره.
حزب المؤتمر الوطني أُتيحت له من الفرص ما لم تتح لحزب غيره، وكان بالإمكان أن يقود الإصلاح ويجنب البلاد الكثير من الدم حتى قبل ديسمبر المجيد.
أما الآن فقد فات الأوان.