روع الشعب السوداني بالدماء التي سالت في ليل الثامن من رمضان – أمس الأول- ست من الأنفس الزكية البريئة فاضت إلى ربها راضية مرضية.. شباب في عمر الزهور كل ذنبهم أنهم يبحثون عن الحياة الحرة الكريمة.. فقط لا غير..
وبكل أسف ، رغم أن العهد البائد باد وانتهى إلا أنه ترك وراءه أدب الإنكار ذاته، فالبيانات الرسمية أسندت الفعل الدموي إلى المجهول.. إلى مندسين و كتائب ظل وغيرها من المفردات التي كان النظام المخلوع يسند إليها كل الجرائم والموبقات.. ولا يبذل المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري أي مجهود عقلي ليجعل مثل هذا الإدعاء قابلاً للتصديق.. فلا يشرح كيف فعل المندسون كل هذه المجزرة ثم لاذوا بالفرار رغم أن ميدان المعركة لا يبعد من القصر الرئاسي إلا 300 متراً فقط، ولا يبعد من عرين الجيش السوداني إلا أقل من نصف تلك المسافة .. بعبارة أخرى، معركة في قلب المنطقة الخضراء.. أكثر المناطق أمناً وأماناً وحراسة في السودان.. فإذا كانت كتائب الظل الوهمية تستطيع اختراق مثل هذه المنطقة الآمنة بكل هذه السهولة وحصد كل هذه الدماء الزكية ومئات الجرحى ثم تلوذ بالفرار بلا نقطة دم واحدة منها.. فهنا يصبح السودان كله في مهب الريح ..
المنطقة التي شهدت الأحداث مدججة بأسلحة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. ولا ثالث لهما .. وكل طلقة في هذا المحيط لا يمكن أن تصدر من بندقية غريبة.. فيصبح السؤال الذي يجب أن يكون حاضراً باسم كل الشباب الذين فاضت أرواحهم العزيزة.. هل ستكتفي السلطات العسكرية بما أوردت من شهادات وتغلق الملف تحت لافتة (ضد مجهول).. أم تُشكل لجنة قضائية بموجب قانون التحقيقات للعام 1954 لتتحرى على الأرض ومن شهادات الذين كانوا في مسرح الحادث لتحديد الوقائع التي حدثت بصورة دقيقة واسناد كل فعل لفاعله ثم تقديم كل صاحب جريرة الى منصة العدالة كما ينبغي له..
هذه الحادثة المأساوية اختبار خطير للعهد الجديد، فبعد ثلاثين عاماً كالحة من القهر والتغطية على سوءات الحكم، وكل الثمن الباهظ الذي دفعه شعب السودان ليحصلوا على وطن جديد نظيف من عورات الماضي.. لا يمكن القبول بمثل هذا الاستهلال..
وفي كل الأحوال، فإن تعجيل نقل السلطة الي ادارة مدنية يحمي ظهر هذا الشعب من مثل هذه الكوارث المفجعة.. يجب إعلان الحكومة الجديدة قبل بداية الأسبوع.. فلا مبرر لانتظار أكثر ..