استعاد “السادس من أبريل” الألق ذاته الذي خلده به السودانيون في العام 1985.. ذكرى الانتفاضة الشعبية التي أطاح فيها “المشير” عبد الرحمن سوار الذهب بـ”المشير” جعفر محمد نميري.. ليعود الميعاد ذاته فيطيح بـ”المشير” عمر البشير وينال صفة “المخلوع”..
واليوم، الإثنين، يبلغ عمر الثورة خمسة أيام.. مرت ولا يزال شبابنا الواعي يلتحف الأرض ويتدثر بالسماء حول القيادة العامة لجيشنا السوداني الأصيل.. ويسألني الشباب بلهفة – كلما زرتهم في أرض الاعتصام – وأعينهم تحتشد بالعشم في حصد ثمرة الدموع والدماء.. ( أين وصلنا؟ هل نحن في الطريق الصحيح؟ هل انتصرنا؟) وأجيبهم في كثير من الأحيان بمرافعات طويلة يصبرون على سماعها بمنتهى التحضر.
ياشبابنا.. قدمتم العرق والدموع والدماء لخمسة أشهر انتهت بأروع معركة أمام جحافل الليل التي تمتطي الرعب.. وحان قطاف ثمرة هذا النضال.. لكني بكل أسف لا أتحسس (ريح يوسف، لو لا أن تفندون)..
قبل أن يبدأ الحراك الجماهيري في 19 ديسمبر 2018 تحدثت كثيراً مع رموز المعارضة أن يكونوا مستعدين لـ(اليوم التالي).. اليوم الذي تشرق شمسه بعد رحيل النظام.. بكل التفاصيل..
وخلال فترة اعتقالي الأخيرة تحدثت كثيراً مع كافة أقطاب المعارضة وكررت وتمنيت أن يحسنوا الاستعداد لـ(اليوم التالي).. ولتأكيد المعنى، قلت لهم يجب أن يكون (البيان رقم واحد) الذي يُعلن في كافة وسائل الإعلام مباشرة بعد النصر جاهزاً واضح القسمات ومعالم (برنامج) الدولة القادمة..
بكل أسف فشلت في إقناعهم..
الآن؛ وقد سقط البشير ونظامه فقد طارت السكرة وجاءت الفكرة.. الهتافات تصنع ثورة لكن البرامج هي التي تصنع الدولة.. الحناجر في المدرجات تهب الحماس لكن أقدام الهدافين هي التي تهز الشباك وتحرز الأهداف.. واليوم حان للبرامج أن تظهر وللأهداف أن تحرز..
بعد جولة لي في دهاليز الأحزاب والساسة، ثم زيارة لوزارة الدفاع حيث مقر المجلس العسكري.. لا يبدو الأفق مريحاً.. مثل قول الشاعر إيليا أبو ماضي:
(التي كانت سمائي في الهوى.. صارَتْ لنفسي في الغرام ِجــهنّما..)
ليس هناك برنامج واضح متفق عليه بين كل أطياف المعارضة.. وحتى لا استبق الأحداث، وربما لإعطاء فرصة للأطراف لاستقامة رؤاها وخططها، فدعونا ننتظر يوماً آخر.. لتكتمل عدة الأيام ستة.. عسى ولعل تنفرج أسارير الشباب الذين ينتظرون على أحر من الجمر سماع ما يطمئنهم أن مطالبهم تتحقق وهي تُرى تتحقق..