صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

أيلا.. آخر العلاج الكي!!

7

 

 

 

ضد التيار

هيثم كابو

أيلا.. آخر العلاج الكي!!

 

 

 


* لا يختلف اثنان البتة على التراجع المخيف الذي شهدته أسهم معظم الوزراء والولاة ومديري المؤسسات في بورصة تقييم الشارع العام في السنوات الأخيرة، فقد حلت الشعارات محل الخدمات؛ وتمددت الوعود الوهمية على حساب المشاريع الحقيقية، وعصفت المحسوبية بالتنافس الشريف، وبات الولاء أهم من الكفاءة، وخدمة المواطنين أبعد ما تكون عن خريطة عمل المسؤولين، وبعد كل ذلك التردي الأخلاقي فإن الفساد للأسف الشديد عم معظم أرجاء البلاد..!
* لا يحتفي الناس بمسؤول يتم تعيينه ولا يحزنون لآخر فارق الكرسي غير مأسوفٍ عليه.. خطابات المسؤولين متشابهة حد الاستنساخ.. إطلاق الوعود العنقودية وإعادة إنتاجها )خطباً ووعداً وتمنياً( لعبة يجيدها معظم من يتم تكليفهم بتصريف شؤون وزارة أو ولاية أو هيئة.. أصبح الخذلان هو القاعدة والعمل والإيفاء هو المفاجأة والاستثناء..!
* عندما تم تعيين د. محمد طاهر أيلا رئيساً للوزراء في ظروف بالغة التعقيد والوضع الاقتصادي يشهد تدهوراً غير مسبوق، بينما الاحتجاجات الشعبية تسد سماء الخرطوم؛ قال المشفقون على الرجل ممن يعرفون قوة شخصيته؛ وعمق تفكيره؛ وحسن إدارته إنه )الرجل المناسب( في )التوقيت غير المناسب(، فالمناخ مسموم والاحتقانات متزايدة والجو ملغوم.
* لم تكن حكومة أيلا بحجم الطموحات، فالأسماء تبدلت مواقعها ولم تتغير ملامحها، ومن فشل في وزارة أتيحت له فرصة إثبات فشله الذريع في وزارة أخرى؛ أو مواصلة ما انقطع من تجريب وتخريب، فكان طبيعياً جداً أن يصاب الناس بخيبة أمل؛ وتتبخر أحلامهم بتحسن الأوضاع قبل أداء الوزراء للقسم وبداية العمل.
* بالمقابل كانت قرارات رئيس مجلس الوزراء المتعلقة بالمؤسسات والشركات الحكومية صارمة للحد البعيد؛ وعكست شخصية أيلا التي بحث عنها الناس في حكومته ولم يجدوها، فالتعديلات التي غزت جسد تلك الهيئات لم تمتد لها يد المجاملة؛ ولم تشبها كالتعيينات الوزارية شائبة الترضيات؛ وإعمال مبدأ الموازنات.
* جملة من قرارات الإعفاءات مثلت ضربة البدأية، فكان الاستهلال بإقالة جلال الدين شيلية مدير عام هيئة الموانئ البحرية الذي لم يمضِ على قرار عودته لكرسيه القديم أياماً معدودات، وحتماً لم ينزعج أحد للإعفاء سوى شيلية الذي اعتبر الأمر شخصياً في الوقت الذي كانت فيه الأنظار معلقة بقضية الشركة الفلبينة التي حازت على عقد تشغيل الميناء الجنوبي، كما أن مشرط الجراحة العاجلة وصل لمؤسسة النفط السودانية ومجلس إدارة شركة السكر، ولم يكن البتر بمنأى عن الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي وصندوق دعم الشرق وغيرها من الهيئات والمؤسسات.
* انهيار الخدمة المدنية بالبلاد لا يحتاج لإثبات فقد بات أمراً مسلماً به، لذا فإن القرارات التي تسعى لإصلاح الخدمة المدنية وإيقاف التجاوزات وسد الثغرات والالتزام بأسس الإدارة الصحيحة الواضحة يجب أن تتواصل دون تبرير من مكتب رئيس مجلس الوزراء، فالخلل ظاهر للملأ ولا يحتاج لتوضيح، ويجب مواصلة إصدار القرارات القوية وإزالة كافة التشوهات وتصحيح المسار وبتر الأورام السرطانية.
* نعم، يمكن أن تجد قرارات الحل والإعفاء مقاومة من هنا وسنداً من هناك.. المتشبثون سيقولون إن القرارات غير قانونية.. آخرون سيحركون علاقاتهم لتضغط هنا وتؤثر هناك.. جذور الحزب الحاكم الممسكة بمفاصل الدولة لن تهدأ أيضاً وستدير تروسها عكس حركة عقارب ساعة الإصلاح.. التفاسير ستكثر، والاجتهادات ستتواصل، ولكن متى ما توافرت الإرادة ذابت العقبات وتبخرت المتاريس و)لكل شيء مقطع من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد(.
* حتى الأمس القريب كانت المجاملة الزائدة عن الحد هي سيدة الموقف، ومتى ما جمعتك جلسة بمسؤول رفيع ودار نقاش مستفيض في مجموعة من النقاط الساخنة التي تمثل إخفاقات واضحة في وزارات ومعتمديات وهيئات ذات صلة وثيقة بمعاش الكادحين وعانى منها الناس دون مساءلة لمن تسبب في تلك الأوضاع أو محاسبة من عمل على مفاقمتها، فإنك ستسمع من الحجج الواهية ما يدهشك مع إن التقصير يجب أن يكون جزاؤه المحاسبة، والتهاون لا علاج له سوى الإقالة وإجبار المسؤول على الرحيل، ولو اعترف محدثك بجملة من الأخطاء فستأتيك التبريرات مغلفة بأن حدوث تلك الأخطاء الشنيعة تم من باب )سوء التقديرات(..!!
* يحمد لأيلا أنه أشهر سيف الإعفاء في وجوه المقصرين وما أكثرهم، فغياب محاسبة المديرين والتنفيذيين عواقبه وخيمة وأهمها أنه يجعل المسؤول يسرح ويمرح كما يحلو له؛ كما أن عدم خوف بعض المسؤولين المسنودين من ردة فعل قوية جعلهم يتعاملون مع ملفات حساسة ببساطة وتهاون وعدم مسؤولية، والمؤسف أن المواطن بالتجارب الماثلة أمامه باتت لديه قناعة راسخة بأن المسؤول الذي يفشل في مهمته يمكن أن تتم ترقيته لا محاسبته، الأمر الذي طبع صورة سالبة للحكومة في أذهان الناس؛ وجعل الكل غاضباً ثائراً يبحث عن الخلاص.
نفس أخير
* عندما تستشري الأورام السرطانية فالعلاج الناجع يكمن في الاستئصال و)الني للنار(.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد