صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

كلام زعل !!

12

 

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

كلام زعل !!


)1(
قديماً درّسونا في العُلوم السِّياسيَّة، أنّ عَناصر قُوى الدولة تتمثل في أرضها وتَضاريسها ومَوقعها الجُغرافي واقتصادها وقُوتها العَسكريّة وإعلامها والذي منه، أمّا في عالم اليَوم يُمكننا تَلخيص كل عَناصر قُوى الدّولة في عُملتها، فالعُملة تنعكس فيها كل العناصر من اقتصاديّة إلى جيوسياسيّة إلى عسكريّة، عندك عُملة قوية )إنت الزنبرت(، ما عندك عُملة )تبكي بس(، وتشكي هوانك على الآخرين، ولعلّ هذا هو حالنا اليوم، إذ أصبحنا ملطشة وهينين على الناس لهوان جنيهنا الذي كَانَ )جنباً يقلب البيعة( والله يُجازي اللي كان السَبب في هوانه، وليت الهَوان تَوقّف عند انحدار قيمته، بل وَصَلَ به مرحلة أنّه أصبح سلعةً تُباع وتُشترى وتُخزّن، أي والله تُخزّن مثل البصل والبطاطس والكُسبَرَة، حتى خطاب الدولة الرسمي استعمل كلمة تخزين للجنيه بدلاً من تجنيب أو إخفاء أو احتفاظ، فانظر لأمر الطوارئ السَّادس الذي صُمِّم لمُحاربة الإتجار في الجنيه السُّوداني، إذ استعمل كلمة تخزين وهو فعلاً كذلك وهذه حقيقة صادمة لكن )نَسوِّي شنو؟(، فطالما أنّ البعض يَضعه في جوالات أو يبني له غُرفة مُسلّحة ويُتاجر فيه، فقد أصبح مثله مثل أي سلعة مُعرّضة للبوار والتلف والعرض والطلب.
)2(
المنطق يقول، إنّ هذا الجنيه السوداني المحقور لا يَستحق هَذه )الدّردرة( التي تتمثل في انخفاض قيمته وتخزينه، ففي يَوم كانت بلادنا خَاليةً من البترول كَان في أمان الله، وبعد ذهاب البترول وزيادة الوارد على الصّادر كَانت قيمته معقولة، ولكن فجأةً وبعد تَوقُّف الحروبات الداخلية وفي مُوسم أمطارٍ ناجحٍ وإنتاجٍ وفيرٍ ورفع جزئي للعُقُوبات الأمريكية وبدون مُقدِّمات، هبط هُبُوطاً شنيعاً ودخل العناية المُكثّفة )المخزن(، لذلك لن نبعد النجعة إذا قلنا إنّ ما حَدَثَ كَانَ بفعل فاعلٍ، لا بل فاعل من داخل )الجك( يحفظ سُطُور بنك السودان حرفاً حرفاً, فاعل يسحب تريليون جنيه من البنوك في يومٍ واحدٍ، ويُخفِّض قيمة الجنيه من عشرين إلى خمسين )فد دَقّـة(!! ويتناول الأمر حريفٌ آخر ويصل به إلى الثمانين.. وبرضو تقول لي حرية سوق وأيِّ زول حُر في قروشه؟! أي حرية لحرامي سارق لكل معلومات الدولة، يعرف حجم الكتلة النقدية، ويعرف حاجة البلاد للعُملة الحُرة، ويعرف أي دولار داخل أو خارج من البلاد، أي حرية لمن يستخدم عُملة البلاد في المُكايدات السِّياسيَّة ويُعرِّض الملايين للفقر والعوز والمرض؟!
)3(
المصلحة العامة تقتضي اليوم العمل على عودة الجنيه لحالته العادية وذلك برفع قيمته ومُحاربة تَخزينه، ولا بُدّ من أن تكون البداية بالثّاني، ولذلك يجب ألا تأخذنا رأفةً بأيِّ صاحب مخزن للجنيه السوداني سواء كانت غرفة مُسلّحة أو جوالات مُخيّطة بخيط دُبارة لأنّه بفعلته هذا أفقر ملايين الأُسر.
في تقديري، إنّ المُضاربة في العُملة تمثل أقصى مراحل الانحطاط للاقتصاد والإنسان السُّوداني، وستظل وصمة تُلاحق الكل وإلى الأبد، حتى بقية المُضاربات في السُّكّر والأسمنت وصادر الحيوان والصمغ كُلّها تَشوُّهات وأمراض لحقت بالاقتصاد والإنسان السُّوداني، ويجب سَن القَوانين اليوم قبل الغَد لتجريمها ومُحاربتها، فالقوانين التي تُنظِّم التجارة واضحةٌ ومعلومةٌ، وكذا التي تُنظِّم الوارد والصادر والأسواق والمضارب واضح وُضُوح الشمس سَواء كَانَ ابن آدم بـ )كراعين(، أو شركة أو مُؤسّسة وأيِّ دَغمسة تبقى شغل سياسة.. وقاتل الله السِّياسة عندما )تمشي لي ناس ما بتقدر(..!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد