صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

غطِّيني يا صفية ! !

11

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

غطِّيني يا صفية ! !

)1(
خطاب السيد رئيس الجمهورية في الجمعة الأخيرة من فبراير المُنصرم، الذي قال فيه إنه سوف يقف على مسافةٍ واحدةٍ من كل القّوى السِّياسيّة في البلاد، وإنه سوف يُكوِّن حكومة كفاءات وطنية، فُهم منه أنّ الأمر ليس مُتعلِّقاً بشخص السيد رئيس الجمهورية فقط، إنّما المقصود الأول هو الدولة، فالدولة هي المُحتاجة للابتعاد عن الحزب أو بالأحرى، الحزب يجب أن يخرج من شرايين الدولة ومصارينها.
اتّباعاً للقول بالعمل، كَانَ تعيين ولاة الولايات من الخدمة العسكرية التي تحرم الانتماء الحزبي أثناء الخدمة، وابتعد السّيّد رئيس الجمهورية من الحزب، ولكن ما حَدَثَ في الولايات جاء مُخالفاً لهذا التّوجُّه، حيث أعاد السيد والي الولاية الشمالية تكليف ذات الحكومة الحزبية السابقة كوزراء ومُعتمدين، وفي ذات الطريق سار السيد والي ولاية الجزيرة، ولا أدري إن كان هذا الأمر سوف يُطبّق على جميع الولايات أم خاصاً بالولايتين.. لكن لحَدِّي هنا خلُّونا في الولايتين!!
)2(
الحكومتان المُشار إليهما أعلاه، حكومتا مُحاصصة حزبية بامتيازٍ، لا بل حكومتا ترضية بدليل وجود مُعتمدي رئاسة، بينما الوالي الحالي شخصية عسكرية قومية، فكيف تترّأس شخصيةٌ قوميةٌ شخصيات حزبية؟ الوزير الحزبي لا يُمثل نفسه فقط، إنّما يُمثل حزبه، فالمنصب منصبٌ حزبيٌّ هذا من ناحية إجرائية، أما من ناحية مضمون فهذه حكومات مُترهلة كثيرة الصرف، فحكومة بها خمسة وزراء وسبعة مُعتمدين في ولاية كَانَت في يومٍ من الأيام مُديرية أو مُحافظة يُديرها ضابطٌ إداريٌّ برتبة مُدير تَنفيذي تُخَصّص له عربة واحدة بلوحة صفراء ليس فيها حتى عَلَمٌ يُرَفرف، الآن أصبحت ولاية بها اثنتي عشرة شخصية دستورية تُخَصّص لكل واحد منهم كذا عربة تتقدّمها سارينا )ويويويويويو(!!
إنّ إعادة هذه الحكومات ولو بتكليفٍ مُؤقّتٍ تهزم هذا التّوجُّه الجَديد إن كَانَ ثمة توجُّه جديد، وتجعلنا نمتثل بقول الزعيم سعد زغلول )ما فيش فائدة.. غطِّيني يا صفية(!!
)3(
كل الذين يُطالبون بإصلاح الدولة وتخفيض الصرف الحكومي يُطالبون بالعودة للأقاليم الستة القديمة، لأنّ تجربة التّناسل الولائي هذه فَشلت فشلاً ذريعاً، ويكفي أنّها كلها تتلقّى دعماً مالياً من المركز، اللهم إلا الخرطوم، كما أنّها لم تقرّب الظل الإداري، إنّما قَرّبت ظِلاً آخر لأنّ مطلوبات المُواطن لا تحتاج لشخصياتٍ دستوريةٍ، فاستخراج الجواز ودفع الضريبة وتصديق المُستشفى وإنشاء جامعة أو مطار، لا بل حتى الحُصُول على تأشيرة سفر من أيِّ مدينة لا يحتاج إلى شخصيةٍ دستوريةٍ، فتفويض السُّلطات يُمكن أن يكون لأيِّ مُسمّى وظيفي، وقد ثبت أنّ التناسل الولائي وهيكلته، خَاصّةً وظيفة المُعتمد القصد منها تسييس المُجتمع بفرض أيدولوجية مُعيّنة عليه وهذا استخدام سيئ لآلية الدولة، بعبارةٍ أُخرى تقريب الظل السِّياسي وليس الظل الإداري، ولكنه فشل وكان الناتج اقتراب الظل التّسلُّطي، ولهذا دعا حتى أصحاب الشأن لإعادة النظر في الحكم الفيدرالي تحت مُسمّى إصلاح الدولة!!
)4(
في تقديري، إنّ الإصلاح يتمثل في إلغاء كُل الوزارات الولائية وكذا البرلمانات الولائية، وقبل ذلك وظيفة المُعتمد )ديك العِدّة(، فليبقى الوالي في وظيفته وتتنزّل كل السُّلطات إلى المُحافظات التي يجب أن يكون على رأسها ضباط إداريون وتَتحوّل الوحدات الإدارية إلى مجالس ريفية وبلدية أي العودة للحكم المحلي القديم فالحكم المحلي غير الحكم الفيدرالي.
لقد جنت الإنقاذ على وظيفة الضابط الإداري جناية كُبرى، أولاً بالتجفيف، إذ توقف تعيين الضباط الإداريين منذ سنين عددا ومن بقي منهم أصبحت تحت إمرة مُعتمدين لا يعرفون كُوعَ الإدارة من بُوعها إلا من رحم ربي..!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد