كتب المعلق في صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية، سايمون تيسدال عن الأزمة التي يعيشها نظام عمر حسن البشير وقال إن “تسليم السلطة هي الخطوة الأولى للتغيير في السودان”. مشيراً إلى أن احتجاجات الشوارع في السودان لتغيير زعيم البلاد والنظام دخلت مرحلة مهمة ولكن ليس التحول الذي كان يريده المتظاهرون. وكان عمر البشير الذي سيطر على السلطة بانقلاب قبل 30 عاماً قد استقال فجأة من زعامة حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وبدلاً من فتح المجال أمام التغيير كما يطالب المحتجون منح السلطة لرجل مثله مطلوب للعدالة الدولية بسبب جرائم دارفور.
وسيترأس أحمد هارون، الحاكم السابق لولاية كردفان الحزب لحين انتخاب زعيم للحزب في مؤتمر العام المقبل. وعين هارون نائباً للرئيس بعدما أعلن البشير عن قوانين الطوارئ. ويرى المحللون أن تحرك البشير الذي ظل رئيساً ربما كانت تكتيكاً لنزع التوتر داخل الحزب الحاكم بين الإسلاميين وقادة الجيش البارزين الذين يمثلون المؤسسة الأمنية. وربما لم يكن لديه أي خيار. فقوانين الطوارئ وتعيين 18 من العسكريين حكاماً على الولايات من الموالين له ربما كان ضرورة لمنع انقلاب عسكري كما كشف تقرير لمنظمة الأزمات الدولية في بروكسل.
هناك إمكانية أن يكون قرار البشير التخلي عن زعامة الحزب بداية النهاية لواحد ممن يتربعون على السلطة في أفريقيا منذ وقت طويل ،مثل عبد العزيز بوتفليقة.
وجاء في التقرير “يقال إن قادة الجناح الإسلامي كانوا يدعون لرد إيجابي على مطالب المحتجين. وثارت مخاوف من مواجهة خطيرة بين الجناحين المسلحين بشكل جيد، حالة تعمق الانقسام”. وهناك إمكانية أن يكون قرار البشير التخلي عن زعامة الحزب بداية النهاية لواحد ممن يتربعون على السلطة في أفريقيا منذ وقت طويل. ومثل عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر الذي أثارت خططه الترشح لولاية خامسة، فالبشير البالغ من العمر 75 عاماً، ظل وجهاً معروفاً في السياسة السودانية وعلى ما يبدو بقي أطول من اللازم.
وقاوم البشير العزلة والنبذ الدولة والعقوبات الغربية منذ أن وجهت له محكمة الجنايات الدولية اتهامات بارتكاب مجازر في دارفور، بداية القرن الحالي والتي قتل فيها ما يقدر عددهم 300.000 إلا أن البشير في مقابلة مع “الغارديان” في القصر الجمهوري عام 2011 نفى الاتهامات. كما أن الحرب الطويلة في جنوب السودان وانتهت باستقلاله عام 2011 أضعفت البشير وحرمت الخرطوم من عائدات النفط. فيما أدى سوء إدارة الحزب الحاكم وفساده لانهيار الاقتصاد. وفقد جيل جديد من السودانيين بمن فيهم الأطباء والمهندسون وعناصر الحزب الشابة والعمال الفقراء الصبر ويشعرون بالإحباط من فشل الحكم المتعدد الوجوه. ولهذا السبب استمرت التظاهرات المعارضة للبشير منذ عام 2013. وبدأت الجولة الأخيرة من الاحتجاجات في كانون الأول (ديسمبر) 2018 والتي اندلعت جراء ارتفاع أسعار الخبز إلا أن الاضطرابات اتخذت شكلا سياسيا وبدأت بالمطالبة برحيل البشير ونهاية حكم حزب المؤتمر الوطني. واستمرت رغم القمع الذي مارسته قوات الأمن حتى نهاية، حيث رفض المتظاهرون دعوات الرئيس للحوار. وتقدر منظمة “هيومان رايتس ووتش” عدد القتلى منذ بداية التظاهرات بحوالي 50 شخصاً. وتركزت مطالب الأحزاب على التعديلات الدستورية التي كانت ستسمح للبشير الترشح لمدة خمسة أخرى في انتخابات العام المقبل. وقد جرى تأجيلها، وهذا لا يمنع البشير من الترشح مرة أخرى لو حصل على دعم من حزب. ولكنه وضع البلاد تحت قوانين الطوارئ في الفترة الحالية.
حذر تقرير منظمة الأزمات الدولية من التصعيد حيث جاء فيه أن “مخاطر تصاعد العنف أعلى منها في أي وقت مضى ومنذ اندلاع الاحتجاجات” ولأن “النظام يشعر بالحصار فستقوم قوات الأمن بالتصرف وبوحشية واسعة”.
وفي عام 2011 عندما تم وضع عدد من الولايات تحت قوانين الطوارئ فإنها منحت قوات الأمن الحق بالتصرف بدون خوف، خاصة أن قوانين تسمح بنشر الجيش وإقامة الحواجز على الطرقات ومنع النشر والمصادرة وحظر الأحزاب السياسية. وحذر تقرير منظمة الأزمات الدولية من التصعيد حيث جاء فيه أن “مخاطر تصاعد العنف أعلى منها في أي وقت مضى ومنذ اندلاع الاحتجاجات” ولأن “النظام يشعر بالحصار فستقوم قوات الأمن بالتصرف وبوحشية واسعة”. ومن غير المحتمل أن يؤدي ترفيع هارون إلى تغيير جذري، فمثل أستاذه لديه آراء متشددة فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه البلد. وفي مقابلة مع هارون عام 2008 قال إنه بريء من الجرائم التي ارتكبت في دارفور عندما كان وزير دولة. وقال إن الاتهامات ضده هي جزء من مؤامرة دولية ومحكمة الجنايات الدولية هي جزء منها. وقال: “هذا وجه آخر للاستعمار الدولي ويستهدف بشكل رئيسي الأفارقة” وأضاف: “كان الهدف الرئيس للشعوب البيضاء في أفريقيا في ذلك الوقت، البريطانية والأوروبية نشر ثقافتهم وتقاليدهم. واليوم نعيش مرحلة إمبريالية وتقودها هذه المرة الولايات المتحدة وبدعم من الأوروبيين”. ويشترك الكثير من السودانيين مع رؤية هارون بشكل يعلم الصعوبات التي ستواجهها الدول الغربية وهي تحاول وقف عنف البشير وفتح المجال أمام حكومة وحدة وطنية انتقالية او دفعه للتخلي عن السلطة سلمياً. والمسؤولية تقع في النهاية على شركاء السودان الأفارقة وحلفائه في الشرق الأوسط، السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا ولا يوجد ما يظهر أنهم يريدون التدخل.