حاولت حكومة معتز موسى السابقة أن تنفذ سياسات جديدة تمكنها من ضمان عائدات الصادر لبناء احتياطات من النقد الأجنبي تستطيع عبرها التحكم من سعر الدولار دون اللجوء إلى الإجراءات الأمنية أو التقليل منها. لكن ما حدث في الواقع هزم تلك السياسات، بل إن آلية السوق أصبحت كأنها الإدارة المختصة بالبنك المركزي لإعلان أسعار العملات الأجنبية.
الآن يبدو أن حكومة محمد طاهر إيلا اعتمدت الإجراءات الأمنية في محاولة لرفع قيمة الجنيه السوداني. وهذا أيضا لن يكون حلا.. لذلك لا بد من مراجعة سياسات الصادر الوارد من البنك المركزي واتخاذ السبل الكفيلة بتحريك قطاع الصادر، على أن تنشط الإجراءات الرقابية والأمنية في إيقاف الكارثة التي أحدثتها المضاربات في أسواق المحاصيل النقدية وما زالت مستمرة تحت سمع وبصر أجهزة الدولة في الحكومة المركزية وحكومات الولايات.
آلية صناع السوق ليس لديها آليات تدخل. وهي فقط لإعلان السعر. ورغم أنها تقوم بجمع المعلومات يوميا عن كل الموارد والاستخدامات وأسعار المحاصيل في الأسواق الداخلية والخارجية لتحديد مؤشر سعر الصرف لكنها لا تقدم أي توصيات أو ملاحظات حول كيفية الحصول على موارد النقد الأجنبي.. وأعني بالتحديد عدم وجود أي دور لها في اتخاذ إجراءات لإيقاف مضاربات أسواق المحاصيل النقدية بما يؤمن انسياب الصادرات ويضمن دخول عائداتها إلى البلاد. وهذا أمر مهم جدا.
لقد أدت المضاربات في أسواق المحاصيل الداخلية وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق إلى عدم تنافسية الصادرات السودانية في الأسواق الخارجية، وفشل المصدرين الحقيقيين في التصدير.. ولا نتوقع حصائل صادر لهذا الموسم بمثل ما وعدت الحكومة عقب إعلانها سياسات تشجيع الصادر والتي قادت إلى بلوغ سعر الدولار إلى أكثر من 60 جنيها.
دخول شركات حكومية وشبه حكومية لأسواق المحاصيل ورفع أسعارها بهدف التخزين، أحدث تشوهات كبيرة، خاصة أنها تتمتع بامتيازات لا يجدها غيرها في القطاع الخاص.. الحكومة تعلم ولديها سجلات أسماء هذه الشركات لكنها تصمت.
هذه بعض الاختلالات الظاهرة في قطاع الصادر. أما غير الظاهرة والمتعلقة ببيع الورق والمستندات فهي أكبر من مجرد اختلالات في السياسات بل إنها ترقى إلى تخريب الاقتصاد الوطني.. غداً أشرح.