أخبار منعشة من الجهة الأخرى من العالم.. مسبار مرسل من وكالة ناسا للفضاء.. وصل إلى المريخ بد سفر طال ثلاثة أشهر حسوماً.. كان العلماء يحبسون أنفاسهم في اللحظات الأخيرة.. خوفاً من حدوث خطأ ما.. كانوا قد حسبوا لكل خطوة حسابها.. إذ لابد أن تتناقص سرعة المسبار من حوالي 20 ألف كلم/س الى حوالي 10 كلم/س في أقل من 7 دقائق لكي يتمكن من الهبوط بسلاسة.. ويستطيع الارتكاز على سطح الكوكب.. حتى يتمكن من إرسال الإشارات إلى كوكب الأرض ويستطيع العلماء تحليلها بعد ذلك.
لحظة نجاح الهبوط.. تصايح العلماء فرحين.. ضربوا أكفهم مع بعضهم البعض.. هنأوا أنفسهم.. وحق لهم ذلك.. لقد كان ذلك النجاح نتيجة جهود جماعية.. تضافرت بينهم.. لن يستطيعوا أن ينسبوه إلى أحد.. كلهم على ذات الدرجة من الأهمية.. لذلك تقاسموا الفرح بعد أن تشاركوا الهموم والعمل.
في خضم تلك الفرحة.. وأنا أطالع صور العلماء وهم في انتظار لحظة الهبوط.. لفتت نظري علبة )زبدة فول سوداني( قابعة بعيداً.. تبدو كما الكلمة الشاذة في ركنها القصي ذاك.. ترى ما الذي تفعله علبة )الدكوة( في ناسا؟.. هل ترى يأكل أولئك العلماء كما نحن؟ أتراهم يتنادون للأكل كما نفعل نحن؟ طماطم بالدكوة.. وكمان معاها كسرة.. زيد شوية زيت هنا يا بيتر.. مايكل دا قول ليهو خلي الفي يدك وتعال.. الناس راجينك بالفطور.. أتراهم يتركون المكاتب قاعاً صفصفاً.. وينسحبون دون ترك مواعيد محددة للعودة؟.. الفطور وتوابعه.. الشاي والقهوة.. وعشرة ونسة؟
هل يكمن السر في تلك العلبة؟ التي تركها علماء ناسا بعيداً وانتبهوا إلى أعمالهم؟ هل لاحظتم أنهم يجتمعون في العمل ويشبكون أيديهم سوياً للإبداع وخدمة البشرية.. لكنهم عند الأكل.. يتنحى كل واحد منهم على حده يأكل سريعاً ليعود إلى مقعده.. بينما يحدث العكس عندنا.. يعمل واحد منا وكأنه في جزيرة منفصلة.. ونكرس لهذه الأفكار.. تجد كل وزارة.. بل كل وحدة لا علم لها بما يحدث في المكتب الآخر.. بينما نتدافع لنأكل )فتة الفول سوياً؟(
أترى السر يكمن في صحن الدكوة بالطماطم.. الذي شغلنا عن عمارة الأرض.. وجعلنا نخلد اليها.. نقضي اليوم من صف لي صف.. ولا نفكر لماذا.. وكيف ومتى.. سينتهي هذا الأمر.. وهذه الدوامة؟ قيل إن علماء ناسا يعتبرون علبة زبدة الفول السوداني.. وفي رواية أخرى )الدكوة(.. يعتبرونها جالبة للحظ.. لذلك يجلبونها في أماكن الانتظار.. يعني ما بفتحوها ولا حاجة.. يدعوها في علبتها.. وهي كدا منها وليها تجلب الحظ.. لكن الشعوب )الشليقة( زينا كدا.. فتحتها وأضافت لها.. الزيت والكسرة.. والطماطم.. وأكلتها هنيئاً مريئاً.. فسرى الخدر في أجسادنا.. وتفرقنا بين ذاهب إلى صف الرغيف.. وحاجز في صف الوقود.. وذاك في صف الصراف الآلي.. والبقية الباقية.. تغشاها النعاس.. ونامت طويلاً.. وعندما فتحنا أعيننا فجاة.. وجدنا أن البشرية.. عبرت إلى الضفة الأخرى.. تجاوزت القمر ووصلت الى المريخ.. فهتف أحدنا مندهشاً.. )كم لبثنا يا قوم!!(..