اهتم السودانيون في إعلامهم ومجالس أنسهم.. ومواقع تواصلهم الاجتماعي بخبر زيارة الرئيس التشادي “إدريس ديبي” لعاصمة الدولة الصهيونية إسرائيل أكثر من اهتمامهم بجلسة مجلس الوزراء التي خصصت لمناقشة قضية الدواء التي شغلت رئيس الوزراء “معتز موسى” بقدر انشغال “صلاح قوش” مدير جهاز الأمن بقضية الخبز في ولاية الخرطوم أكثر من انشغال الجنرال “هاشم الحسين” والي العاصمة القومية بمشاكل الوقود والمواصلات وبالطبع )الخبز الحاف(.
وذهبت تحليلات السودانيين باتجاه بث المخاوف من إسرائيل التي طوقت البلاد من الشرق حيث جسر العلاقة مع كل من إثيوبيا واريتريا منذ أن تم ترحيل اليهود الفلاشا لأرض الميعاد، وجنوباً حيث تبني إسرائيل علاقة مع جوبا تمتد جذورها لعام 1970م، حينما هبط قادة حركة الأنانيا سراً لتل أبيب بحثاً عن السلاح لقتال حكومة الخرطوم، وبعد استقلال دولة جنوب السودان هبط قادتها الأراضي المغتصبة جهراً مطالبين ببناء جسور تعاون بين البلدين، ويمتد طوق إسرائيل شمالاً حيث كسرت القاهرة جدار العزلة بين العرب وإسرائيل باتفاق كامب ديفيد ومن بعده هرول العرب نحو تل أبيب جماعات وأفراد من أحفاد القرشيين وقحطان، ومد العرب أهل القضية جسور الوصل مع الدول الصهيونية.. الأردن.. العراق ما بعد “صدام”.. وقطر وسلطنة عمان.. وقديماً جداً المغرب.. وفي مطار الملكة “علياء” وهي حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بني “هاشم” يسمع العابرون إلى أرض الله الواسعة صوت النداء على المسافرين إلى تل أبيب التوجه للبوابة رقم )4(.. وبعد سنوات طويلة تقطع دولة تشاد تذكرة للسفر علناً لإسرائيل وهي دولة أفريقية.. تنتمي لمنظومة )الفرانكفونيين ( أي الدول التي استعمرتها )فرنسا(.. وتشاد لم يهبط أرضها صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل الأردن وسوريا التي انتقلت إليها عاصمة المسلمين من مكة إلى دمشق ورحلت معها قيادة الخلافة إلى حضن الأمويين.. وتشاد دولة نصف سكانها من المسيحيين والنصف الآخر من المسلمين الزنوج والمسلمين العرب، وتشاد لم تقصفها يوماً طائرات تل أبيب.. ولم يقاتل التشاديون إلى جانب حركة التحرير الفلسطينية )فتح( ولا كان لتشاد فدائيين مع جورج حبش “وأبو نضال” إلى أراضي الدولة المجاورة لأنجمينا.
“إدريس ديبي” ليس عربياً مثل “أنور السادات” ولا هاشمياً كالملك “حسين”.. ولا هو من سلالة الأوس ولا الخزرج، لكنه رئيس دولة تبحث لشعبها عن مصالح حتى لو كانت في السماء السابعة.. وتشاد لها حساباتها السياسية في المنطقة كدولة ناهضة.. تملك ثروة بترولية كبيرة وتجاور دولة مضطربة هي ليبيا.. وتتقاطع نزعاتها الاستقلالية من ركب فرنسا مع مصالحها الدائمة مع باريس وتتطلع لدور إقليمي في النيجر وأفريقيا الوسطى والسودان بطبيعة الحال.. ونظام الرئيس “إدريس ديبي” يعتبره خصومه من الجنوب المسيحي الزنجي الفرانكفوني هو )نظاماً للمسلمين العرب(.. يحاربون “إدريس” لأنه في نظرهم عربياً مسلماً، فماذا قدمت الدول العربية لتشاد؟ وما الذي يجعل العرب يهرول إلى تل أبيب و”إدريس ديبي” باسطاً ذراعيه منتظراً أن تجود عليه جامعة الدول العربية بصفة مراقب، وهو ينتظر المستحيل أن يتدفق المال العربي لتشاد قبل أن تقول إسرائيل للعرب اتجهوا لأنجمينا ولا تعبرون من خلال الخرطوم.